قوله تعالى ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (١٠٥) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (١٠٦)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان أول هذه القصص والتعجيب من حال الذين أوتوا نصيباً من الكتاب في ضلالهم وإضلالهم، ثم التعجيب من إيمانهم بالجبت والطاغوت، ثم التعجيب من حال من ادعى الإيمان بهذا الكتاب مع الكتب السالفة، ثم رضي بحكم غيره، وساق سبحانه وتعالى أصول ذلك وفروعه، ونصب الأدلة حتى علت على الفرقدين، وانتشر ضياؤها على جميع الخافقين، وختم ذلك بمجاهدة المبطلين بالحجة والسيف، وسوّر ذلك بصفتي العلم والحكمة ؛ ناسب أتم مناسبة الإخبار بأنه أنزل هذا الكتاب بالحق وبين فائدته التي عدل عنها المنافقون في استحكام غيره فقال :﴿إنا أنزلنا﴾ أي بما لنا من العظمة التي تتقاصر دونها كل عظمة ﴿إليك﴾ أي خاصة وأنت أكمل الخلق ﴿الكتاب﴾ أي الكامل الجامع لكل خير ﴿بالحق﴾ أي ملتبساً بما يطابقه الواقع ﴿لتحكم بين الناس﴾ أي عامة، لأن دعوتك عامة فلا أضل ممن عدل عن حكمك وابتغى خيراً من غير كتابك، وأشار إلى أنه لا ينطق عن الهوى بقوله :﴿بما أراك الله﴾ أي عرفكه الذي له القدرة الشاملة والعلم الكامل، فإن كان قد بين لك شيئاً غاية البيان فافعله، وإلا فانتظر منه البيان ؛ ثم شرع سبحانه وتعالى في إتمام ما بقي من أخبارهم، وكشف ما بطن من أسرارهم، وبيان علاماتهم ليعرفوا، ويجتنبها المؤمنون لئلا يوسموا بميسمهم.


الصفحة التالية