قوله تعالى ﴿وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (١١١)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما ندب إلى التوبة ورغب فيها، بين أن ضرر إثمه لا يتعدى نفسه، حثاً على التوبة وتهييجاً إليها لما جبل عليه كل أحد من محبة نفع نفسه ودفع الضر عنها فقال :﴿ومن يكسب إثماً﴾ أي إثم كان ﴿فإنما يكسبه على نفسه﴾ لأن وباله راجع عليه إذ الله له بالمرصاد، فهو مجازيه على ذلك لا محالة غير حامل لشيء من إثمه على غيره كما أنه غير حامل لشيء من إثم غيره عليه، والكسب : فعل ما يجر نفعاً أو يدفع ضراً.
ولما كان هذا لا يكون إلا مع العلم والحكمة قال تعالى :﴿وكان الله﴾ أي الذي له كمال الإحاطة أزلاً وأبداً ﴿عليماً﴾ أي بالغ العلم بدقيق ذلك وجليله، فلا يترك شيئاً منه ﴿حكيماً﴾ فلا يجازيه إلا بمقدار ذنبه، وإذا أراد شيئاً وضعه في أحكم مواضعه فلا يمكن غيره شيء من نقضه. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٣١٥ ـ ٣١٦﴾
فصل
قال الفخر :
الكسب عبارة عما يفيد جر منفعة أو دفع مضرة، ولذلك لم يجز وصف الباري تعالى بذلك والمقصود منه ترغيب العاصي في الاستغفار كأنه تعالى يقول : الذنب الذي أتيت به ما عادت مضرته إلي فإنني منزّه عن النفع والضرر، ولا تيأس من قبول التوبة والاستغفار ﴿وَكَانَ الله عَلِيماً﴾ بما في قلبه عند إقدامه على التوبة ﴿حَكِيماً﴾ تقتضي حكمته ورحمته أن يتجاوز عن التائب. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ٣١﴾
وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً ﴾ أي ذنباً ﴿ فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ على نَفْسِهِ ﴾ أي عاقبته عائدة عليه.
والكسب ما يجرّ به الإنسان إلى نفسه نفعاً أو يدفع عنه به ضررا ؛ ولهذا لا يسمى فعل الرب تعالى كسباً. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٥ صـ ٣٨٠﴾.
وقال أبو حيان :
﴿ ومن يكسب إثماً فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليماً حكيماً ﴾ الإثم : جامع للسوء وظلم النفس السابقين والمعنى : أنّ وبال ذلك لاحق له لا يتعدّاه إلى غيره، وهو إشارة إلى الجزاء اللاحق له في الآخرة.