قوله تعالى ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا (١٢٦)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما أخبر بمن يحبه ومن يبغضه وبما يرضيه وما يغضبه، وكان ربما توهم عدم القدرة على أخذه لغير ما أخذ، وجعله لغير ما جعل، أو تعنت بذلك متعنت فظن أن في الكلام دخلاً بنوع احتياج إلى المحالة أو غيرها قال :﴿ولله﴾ أي والحال أن للمختص بالوحدانية - فلا كفوء له ﴿ما في السماوات ﴾.
ولما كان السياق للمنافقين والمشركين أكد فقال :﴿وما في الأرض﴾ من إبراهيم عليه الصلاة والسلام ومن غيره إشارة إلى أنه التام المُلك العظيم المِلك، فلا يعطي إلا من تابع أولياءه وجانب أعداءه، ولا يختار إلا من علمه خياراً وهو مع ذلك قادر على ما يريد من إقرار وتبديل، ولذلك قال :﴿وكان الله﴾ أي الملك الذي له الكمال كله ﴿بكل شيء﴾ أي منهما ومن غيرهما ﴿محيطاً﴾ علماً وقدرة، فمهما راد كان في وعده ووعيده للمطيع والعاصي، لا يخفى عليه أحد منهم، ولا يعجزه شيء. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٣٢٥﴾
فصل
قال الفخر :
في تعلق هذه الآية بما قبلها، وفيه وجوه :
الأول : أن يكون المعنى أنه لم يتخذ الله إبراهيم خليلاً لاحتياجه إليه في أمر من الأمور كما تكون خلة الآدميين، وكيف يعقل ذلك وله ملك السموات والأرض، وما كان كذلك، فكيف يعقل أن يكون محتاجاً إلى البشر الضعيف، وإنما اتخذه خليلاً بمحض الفضل والإحسان والكرم، ولأنه لما كان مخلصاً في العبودية لا جرم خصه الله بهذا التشريف، والحاصل أن كونه خليلاً يوهم الجنسية فهو سبحانه أزال وهم المجانسة والمشاكلة بهذا الكلام.
والثاني : أنه تعالى ذكر من أول السورة إلى هذا الموضع أنواعاً كثيرة من الأمر والنهي والوعد والوعيد، فبيّن هاهنا أنه إله المحدثات وموجد الكائنات والممكنات، ومن كان كذلك كان ملكاً مطاعاً فوجب على كل عاقل أن يخضع لتكاليفه وأن ينقاد لأمره ونهيه.