قوله تعالى ﴿ وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (١٢٩)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما ذكر سبحانه وتعالى أن الوقوف على الحق فضلاً عن الإحسان - وإن كانت المرأة واحدة - متعسر، أتبعه أن ذلك عند الجمع أعسر، فقال تعالى معبراً بأداة التأكيد :﴿ولن تستطيعوا﴾ أي توجدوا من أنفسكم طواعية بالغة دائمة ﴿أن تعدلوا﴾ أي من غير حيف أصلاً ﴿بين النساء﴾ في جميع ما يجب لكل واحدة منهن عليكم من الحقوق ﴿ولو حرصتم﴾ أي على فعل ذلك، وهذا مع قوله تعالى :﴿فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة﴾ [ النساء : ٣ ] كالمختم للاختصار على واحدة.
ولما أخبر سبحانه وتعالى بأن لا يخلو نكاح العدد عن ميل، سبب عنه قوله :﴿فلا﴾ أي فإن كان لا بد لكم من العدد، أو فإن وقع الميل والزوجة واحدة فلا ﴿تميلوا﴾ ولما كان مطلق الميل غير مقدور على تركه فلم يكلف به، بين المراد بقوله :﴿كل الميل﴾ ثم سبب عنه قوله :﴿فتذروها﴾ أي المرأة ﴿كالمعلقة﴾ أي بين النكاح والعزوبة والزواج والانفراد.
ولما كان الميل الكثير مقدوراً على تركه، فكان التقدير : فإن ملتم كل الميل مع إبقاء العصمة فإن الله كان منتقماً حسيباً، عطف عليه قوله :﴿وإن تصلحوا وتتقوا﴾ أي بأن توجدوا الإصلاح بالعدل في القسم والتقوى في ترك الجور على تجدد الأوقات ﴿فإن الله﴾ أي الذي له الكمال كله ﴿كان غفوراً رحيماً﴾ أي محّاء للذنوب بليغ الإكرام فهو جدير بأن يغفر لكم مطلق الميل، ويسبغ عليكم ملابس الإنعام. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٣٢٩ ـ ٣٣٠﴾

فصل


قال الفخر :
قوله تعالى ﴿وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النساء وَلَوْ حَرَصْتُمْ﴾
فيه قولان : الأول : لن تقدروا على التسوية بينهن في ميل الطباع، وإذا لم تقدروا عليه لم تكونوا مكلفين به.
قالت المعتزلة : فهذا يدل على أن تكليف ما لا يطاق غير واقع ولا جائز الوقوع، وقد ذكرنا أن الإشكال لازم عليهم في العلم وفي الدواعي.


الصفحة التالية
Icon