قوله تعالى ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآَخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا (١٣٣)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما تقرر بهذا شمول علم من هذا من شأنه وتمام قدرته أنتج قوله مهدداً مخوفاً مرهباً :﴿إن يشأ يذهبكم﴾ وصرح بالعموم إشارة إلى عموم الإرسال بقوله :﴿أيها الناس﴾ أي المتفرعون من تلك النفس الواحدة كافة لغناه عنكم وقدرته على ما يريد منكم ﴿ويأت بآخرين﴾ أي من غيركم يوالونه ﴿وكان الله﴾ أي الواحد الذي لا شريك له أزلاً وأبداً ﴿على ذلك﴾ أي الأمر العظيم من الإيجاد والإعدام ﴿قديراً﴾ أي بالغ القدرة، وهذا غاية البيان لغناه وكونه حميداً وقاهراً وشديداً، وإذا تأملت ختام قوله تعالى في قصة عيسى عليه الصلاة والسلام في آخر هذه السورة ﴿سبحانه أن يكون له ولد﴾ [ النساء : ١٧١ ] زاد ذلك هذا السر - وهو كونه لا اعتراض عليه - وضوحاً. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٣٣٢﴾

فصل


قال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ ﴾ يعني بالموت ﴿ أَيُّهَا الناس ﴾.
يريد المشركين والمنافقين.
﴿ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ ﴾ يعني بغيركم.
ولما نزلت هذه الآية ضرب رسول الله ﷺ على ظهر سلمان وقال :" هم قوم هذا " وقيل : الآية عامة، أي وإن تكفروا يذهبكم ويأت بخلق أطوع لله منكم.
وهذا كما قال في آية أُخرى :﴿ وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يكونوا أَمْثَالَكُم ﴾ [ محمد : ٣٨ ].
وفي الآية تخويف وتنبيه لجميع من كانت له ولاية وإمارة ورياسة فلا يعدل في رعيته، أو كان عالماً فلا يعمل بعلمه ولا ينصح الناس، أن يُذهبه ويأتيَ بغيره.
﴿ وَكَانَ الله على ذلك قَدِيراً ﴾، والقُدْرَة : صِفَة أزليَّة لا تَتَنَاهَى مَقْدُوراته، كما لا تتناهى مَعْلُومَاته، والمَاضِي والمُسْتقبل في صِفَاتِه بمعنًى واحدٍ، وإنما خصَّ الماضِي بالذكر ؛ لئلا يُتوهَّم أنَّه يحدث في صِفَاتِه وذاته، والقُدْرَة : هي التي يكُون بها الفِعْل، ولا يجوزُ وُجُود العَجْزِ مَعها. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٥ صـ ٤٠٩﴾.
وقال الآلوسى :
﴿ إِن يَشَأْ ﴾ إن يرد إذهابكم وإيجاد آخرين ﴿ يُذْهِبْكُمْ ﴾ يفنكم ويهلككم.


الصفحة التالية
Icon