قوله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (١٧٤) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما أزاح شبه جميع المخالفين من سائر الفرق : اليهود والنصارى والمنافقين، وأقام الحجة عليهم، وأقام الأدلة القاطعة على حشر جميع المخلوقات، فثبت أنهم كلهم عبيده ؛ عمّ في الإرشاد لطفاً منه بهم فقال :﴿يا أيها الناس﴾ أي كافة أهل الكتاب وغيرهم.
ولما كان السامع جديراً بأن يكون قد شرح صدراً بقواطع الأدلة بكلام وجيز جامع قال :﴿قد جاءكم برهان﴾ أي حجة نيّرة واضحة مفيدة لليقين التام، وهو رسول مؤيد بالأدلة القاطعة من المعجزات وغيرها ﴿من ربكم﴾ أي المحسن إليكم بإرسال الذي لم تروا قط إحساناً إلا منه.
ولما كان القرآن صفة الرحمن أتى بمظهر العظمة فقال :﴿وأنزلنا﴾ أي بما لنا من العظمة والقدرة والعلم والحكمة على الرسول الموصوف، منتهياً ﴿إليكم نوراً مبيناً﴾ أي واضحاً في نفسه موضحاً لغيره، وهو هذا القرآن الجامع بإعجازه وحسن بيانه بين تحقيق النقل وتبصير العقل، فلم يبق لأحد من المدعوين به نوع عذر، والحاصل أنه سبحانه لما خلق للآدمي عقلاً وأسكنه نوراً لا يضل ولا يميل مهما جرد، ولكنه سبحانه حفّه بالشهوات والحظوظ والملل والفتور، فكان في أغلب أحواله قاصراً إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومن ألحقه سبحانه بهم ؛ أنزل كتبه بذلك العقل مجرداً عن كل عائق، وأمرهم أن يجعلوا عقولهم تابعة له منقادة به، لأنها مشوبة، وهو مجرد لا شوب فيه بوجه. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٣٧٩﴾

فصل


قال الفخر :
اعلم أنه تعالى : لما أورد الحجة على جميع الفرق من المنافقين والكفار واليهود والنصارى وأجاب عن جميع شبهاتهم عمم الخطاب.
ودعا جميع الناس إلى الاعتراف برسالة محمد عليه الصلاة والسلام فقال :﴿يَا أَيُّهَا الناس قَدْ جَاءكُمْ بُرْهَانٌ مّن رَّبّكُمْ﴾ والبرهان هو محمد عليه الصلاة والسلام، وإنما سماه برهاناً لأن حرفته إقامة البرهان على تحقيق الحق وإبطال الباطل، والنور المبين هو القرآن، وسماه نوراً لأنه سبب لوقوع نور الإيمان في القلب. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ٩٥﴾


الصفحة التالية