قوله تعالى ﴿ فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (٣١) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان التقدير : ثم إنه لم يدر ما يصنع به، إذ كان أول ميت فلم يكن الدفن معروفاً، سبب عنه قولَه :﴿فبعث الله﴾ أي الذي له كمال القدرة والعظمة والحكمة ؛ ولما كان المعنى يحصل بالغراب الباحث فقط قال :﴿غراباً يبحث﴾ أي يوجد البحث وهو التفتيش في التراب بتليين ما تراصّ منه وإزاحته من مكانه ليبقى مكانه حوزة خالية.
ولما كان البحث مطلق التفتيش، دل على ما ذكرته بقوله :﴿في الأرض﴾ ليواري غراباً آخر مات ؛ ولما كان الغراب سبب علم ابن آدم القاتل للدفن، كان كأنه بحث لأجل تعليمه فقال تعالى :﴿ليريه﴾ أي الغراب يُرى ابن آدم، ويجوز أن يكون الضمير المستتر لله تعالى، والأول أولى لتوقيفه على عجزه وجهله بأن الغراب أعلم منه وأقرب إلى الخير ﴿كيف يواري ﴾.
ولما كانت السوءة واجبة الستر، وكان الميت يصير بعد موته كله سوءة، قال منبهاً على ذلك وعلى أنها السبب في الدفن بالقصد الأول :﴿سوءة﴾ أي فضيحة ﴿أخيه﴾ أي أخي قابيل وهو هابيل المقتول، وصيغة المفاعلة تفيد أن الجثة تريد أن يكو القاتل وراءها، والقاتل يريد كون الجثة وراءه، فيكونان بحيث لا يرى واحد منهما الآخر، ولعل بعث الغراب إشارة إلى غربة القاتل باستيحاش الناس منه وجعله ما ينفر عنه ويقتله كل من يقدر عليه، ومن ثَمَّ سمى الغراب البين، وتشاءم به من يراه.


الصفحة التالية
Icon