قوله تعالى ﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٤) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان التعبير ب " إنما " يدل بختم الجزاء على هذا الوجه، استثنى من المعاقبين هذه العقوبة بقوله :﴿إلا الذين تابوا﴾ أي رجعوا عما كانوا عليه من المحاربة خوفاً من الله تعالى، ولذا قال :﴿من قبل﴾ وأثبت الجار إشارة إلى القبول وإن طال زمن المعصية وقصر زمن التوبة ﴿أن تقدروا عليهم﴾ أي فإن تحتم الجزاء المذكور يسقط، فلا يجازون على ما يتعلق بحقوق الآدمي إلاّ إذا طلب صاحب الحق، فإن عفا كان له ذلك، وأما حق الله تعالى فإنه يسقط، وإلى هذا الإشارة أيضاً بقوله تعالى :﴿فاعلموا أن الله﴾ أي على ما له من صفات العظمة ﴿غفور رحيم﴾ أي صفته ذلك أزلاًَ وأبداً، فهو يفعل منه ما يشاء لمن يشاء، وأفهمت الآية أن التوبة بعد القدرة لا تسقط شيئاً من الحدود. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٤٥٢﴾
فصل
قال الفخر :
قال الشافعي رحمه الله تعالى : لما شرح ما يجب على هؤلاء المحاربين من الحدود والعقوبات استثنى عنه ما إذا تابوا قبل القدرة عليهم.
وضبط هذا الكلام أن ما يتعلق من تلك الأحكام بحقوق الله تعالى فإنه يسقط بعد هذه التوبة، وما يتعلق منها بحقوق الآدميين فإنه لا يسقط، فهؤلاء المحاربون إن قتلوا إنساناً ثم تابوا قبل القدرة عليهم كان ولي الدم على حقه في القصاص والعفو، إلا أنه يزول حتم القتل بسبب هذه التوبة، وإن أخذ مالاً وجب عليه رده ولم يكن عليه قطع اليد أو الرجل، وأما إذا تاب بعد القدرة فظاهر الآية أن التوبة لا تنفعه، وتقام الحدود عليه.