قوله تعالى ﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٧٣) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما انقضى هذا النقض، وقدمه لأنه كما مضى أشد، أتبعه إبطال دعوى التثليث بقوله مبدلاً من تلك النتيجة نتيجة أخرى :﴿لقد كفر الذين قالوا﴾ بجرأة على الكلام المتناقض وعدم حياء ﴿إن الله﴾ أي على ما له من العظمة التي منها الغنى المطلق ﴿ثالث﴾ أي واحد ﴿ثلاثة﴾ أي كلهم آلهة، وأما القائل بأنه ثالث بالعلم فلا يكفر.
ولما أعلم بكفرهم، أشار إلى إبطاله كما أشار إلى إبطال الأول كما سلف بما لا يخفى على أحد، تحقيقاً لتلبسهم بمعنى الكفر الذي هو ستر ما هو ظاهر فقال :﴿وما﴾ وأغرق في النفي كما هو الحق واقتضاه المقام فقال :﴿من إله إلا إله واحد﴾ أي قالوا ذلك والحال أنه لا يصح ولا يتصور في العقل أن يكون الإله متعدداً لا تحقيقاً ولا تقديراً بوجه من الوجوه، لا يكون إلا واحداً بكل اعتبار، وهو الله تعالى لا غيره، وقد بين عيسى عليه السلام في الإنجيل الذي بين أظهرهم أنه لا يصح أن يكون الإله إلا واحداً - بالمعتمد من أدلة ذلك عند محققي أهل الأصول وهو برهان التمانع المشار إليه في كتابنا بقوله تعالى ﴿لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا﴾ [ الأنبياء : ٢٢ ] فقال مترجمهم في إنجيل متى : حينئذ أتى إليه - أي عيسى عليه لاسلام - بأعمى أخرس له شيطان، فأبرأه حتى أنه تكلم وأبصر، فبهت الجمع كلهم وقالوا : لعل هذا هو ابن داود! فسمع الفريسيون فقالوا : هذا لا يخرج الشياطين إلا بباعل زبول رئيس الشياطين، فلما علم مكرهم قال لهم : كل مملكة تنقسم على ذاتها تخرب، وكل مدينة أو بيت ينقسم لا يثبت، فإن كان الشيطان يخرج الشيطان فقد انقسم فكيف يقوم ملكه؟ فإن كنت أنا أخرج الشياطين بباعل زبول فأبناؤكم بما تخرجونهم! من أجل هذا هم يكونون عليكم، وإن كنت أنا بروح الله أخرج الشياطين فقد قربت منكم ملكوت الله، وكيف يستطيع حد أن يدخل بيت القوي ويخطف متاعه إلا أن يربط القوي أولاً، حينئذ ينهب بيته.


الصفحة التالية
Icon