قوله تعالى ﴿ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآَمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (٩٣) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كانوا قد سألوا عند نزول الآية عما من شأن الأنفس الصالحة الناظرة للورع المتحرك للسؤال عنه، وهو من مات منهم وهو يفعلهما، قال جواباً لذلك السؤال :﴿ليس على الذين آمنوا وعملوا﴾ أي تصديقاً لإيمانهم ﴿الصالحات جناح﴾ فبين سبحانه أن هذا السؤال غير وارد لأنهم لم يكونوا منعوا منهما، وكانوا مؤمنين عاملين للصالحات متقين لما يسخط الرب من المحرمات، وقد بين ذلك النبي ﷺ فيما رواه الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :" حرمت الخمر ثلاث مرات : قدم رسول الله ﷺ المدينة وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر، فسألوا رسول الله ﷺ عن ذلك، فأنزل الله تعالى على نبيه ﷺ ﴿يسئلونك عن الخمر والميسر﴾ [ البقرة : ٢١٩ ]، فقال الناس : لم يحرم علينا، إنما قال : إن فيهما إثماً، وكانوا يشربون الخمر حتى إذا كان يوم من الأيام صلى رجل من المهاجرين المغرب فخلط في قراءته، فأنزل الله تعالى ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى﴾ [ النساء : ٤٣ ] فكانوا يشربونها حتى يأتي أحدهم الصلاة وهو مفيق، فنزلت ﴿يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام﴾ [ المائدة : ٩٠ ]، فقالوا : انتهينا يا رب! وقال الناس : يا رسول الله! ناس قتلوا في سبيل الله أو ماتوا على فرشهم كانوا يشربون الخمر ويأكلون الميسر وقد جعله الله رجساً من مل الشيطان! فأنزل الله ﴿ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح﴾ [ المائدة : ٩٣ ]، فقال النبي ﷺ : لو حرمت عليهم لتركوها كما تركتم " ولا يضر كونه من رواية أبي معشر وهو ضعيف لأنه موافق لقواعد الدين، وروى الشيخان عن أنس رضي الله عنه قال :" كنت ساقي القوم يوم حرمت الخمر في بيت أبي طلحة رضي الله عنه وما شرابهم إلا الفضيخ : البسر والتمر، وإذا منادٍ ينادي : ألا! إن الخمر قد حرمت، فقال لي أبو


الصفحة التالية