قوله تعالى ﴿ مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (٩٩) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما رغب سبحانه ووهب، علم أنه المجازى وحده، فأنتج ذلك أنه ليس إلى غيره إلاّ ما كلفه به، فأنتج ذلك ولا بد قوله :﴿ما على الرسول﴾ أي الذي من شأنه الإبلاغ ﴿إلا البلاغ﴾ أي بأنه يحل لكم الطعام وغيره ويحرم عليكم الخمر وغيرها، وليس عليه أن يعلم ما تضمرون وما تظهرون ليحاسبكم عليه ﴿والله﴾ أي المحيط بكل شيء قدرة وعلماً ﴿يعلم ما تبدون﴾ أي تجددون إبداءه على الاستقرار ﴿وما تكتمون﴾ من إيمان وكفر وعصيان وطاعة وتعمد لقتل الصيد وغيره ومحبة للخمر وغيرها وتعمق في الدين بتحريم الحلال من الطعام والشراب وغيره إفراطاً وتفريطاً، لأنه الذي خلقكم وقدّر ذلك فيكم في أوقاته، فيجازيكم على ما في نفس الأمر، من عصي أخذه بشديد العقاب، ومن أطاعه منحه حسن الثواب، وأما الرسول ﷺ فلا يحكم إلاّ بما يعلمه مما تبدونه ما لم أكشف له الباطن وآمره فيه بأمري، وهذه أيضاً ناظرة إلى قوله تعالى ﴿بلّغ ما أنزل إليك من ربك﴾ [ المائدة : ٦٧ ]. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٥٤٦﴾
فصل
قال الفخر :
اعلم أنه تعالى لما قدم الترهيب والترغيب بقوله ﴿أَنَّ الله شَدِيدُ العقاب وَأَنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [ المائدة : ٩٨ ] أتبعه بالتكليف بقوله ﴿مَّا عَلَى الرسول إِلاَّ البلاغ﴾ يعني أنه كان مكلفاً بالتبليغ فلما بلغ خرج عن العهدة وبقي الأمر من جانبكم وأنا عالم بما تبدون وبما تكتمون، فإن خالفتم فاعلموا أن الله شديد العقاب، وإن أطعتم فاعلموا أن الله غفور رحيم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ٨٥ ـ ٨٦﴾
وقال ابن عطية :
قوله تعالى :﴿ ما على الرسول إلا البلاغ ﴾ إخبار للمؤمنين فلا يتصور أن يقال هي آية موادعة منسوخة بآيات القتال، بل هذه حال من آمن وشهد شهادة الحق. فإنه إذ قد عصم من الرسول ماله ودمه، فليس على الرسول في جهته أكثر من التبليغ والله تعالى بعد ذلك يعلم ما ينطوي عليه صدره، وهو المجازي بحسب ذلك ثواباً وعقاباً، و﴿ البلاغ ﴾ مصدر من بلغ يبلغ، والآية معناها الوعيد للمؤمنين إن انحرفوا ولم يمتثلوا ما بلغ إليهم. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٢ صـ ﴾
وقال الخازن :
قوله تعالى :﴿ ما على الرسول إلا البلاغ ﴾ يعني ليس على رسولنا الذي أرسلناه إليكم إلا تبليغ ما أرسل به من الإنذار بما فيه قطع الحجج، ففي الآية تشديد عظيم في إيجاب القيامة بما أمر الله وأن الرسول ﷺ قد فرغ مما وجب عليه من التبليغ وقامت الحجة عليكم بذلك ولزمتكم الطاعة فلا عذر في التفريط ﴿ والله يعلم ما تبدون وما تكتمون ﴾ يعني أنه تعالى لا يخفى عليه شيء من أحوالكم ظاهراً وباطناً. أ هـ ﴿تفسير الخازن حـ ٢ صـ ﴾