قوله تعالى ﴿ وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (٥٥) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما أتى في هذه السورة وما قبلها بما أتى من عجائب التفاصيل لجميع الأحوال متضمنة واضح الدلالات وباهر الآيات البينات، قال عاطفاً على ﴿وكذلك فتنا﴾ عطفاً للضد على ضده، فإن في الاختبار نوع خفاء :﴿وكذلك﴾ أي ومثل الفتن بإيراد بعض ما فيه دقة وخفاء من بعض الوجوه لنضل من نشاء، فيتميز الضال من المهتدي ﴿نفصل الآيات﴾ التي نريد بيانها ليتضح سبيل المصلحين فيتبع ﴿ولتستبين﴾ أي تظهر ظهوراً بيناً ﴿سبيل المجرمين﴾ فتجتنب، وخص هذا بالذكر وإن كان يلزم منه بيان الأول، لأن دفع المفاسد أهم. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٦٤٥﴾

فصل


قال الفخر :
قوله تعالى :﴿وَكَذَلِكَ نفَصّلُ الأيات وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ المجرمين ﴾.
المراد كما فصلنا لك في هذه السورة دلائلنا على صحة التوحيد والنبوة والقضاء والقدر، فكذلك نميز ونفصل لك دلائلنا وحججنا في تقرير كل حق ينكره أهل الباطل وقوله :﴿وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ المجرمين﴾ عطف على المعنى كأنه قيل ليظهر الحق وليستبين، وحسن هذا الحذف لكونه معلوماً واختلف القراء في قوله ﴿ليستبين﴾ فقرأ نافع ﴿لتستبين﴾ بالتاء ﴿وسبيل﴾ بالنصب والمعنى لتستبين يا محمد سبيل هؤلاء المجرمين.
وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم ﴿ليستبين﴾ بالياء ﴿مّن سَبِيلٍ﴾ بالرفع والباقون بالتاء ﴿وسبيل﴾ بالرفع على تأنيث سبيل.
وأهل الحجاز يؤنثون السبيل، وبنو تميم يذكرونه.
وقد نطق القرآن بهما فقال سبحانه ﴿وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرشد لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً﴾ [ الأعراف : ١٤٦ ] وقال ﴿وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ [ إبراهيم : ٣ ].
فإن قيل : لم قال ﴿وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ المجرمين﴾ ولم يذكر سبيل المؤمنين.
قلنا : ذكر أحد القسمين يدل على الثاني.
كقوله ﴿سَرَابِيلَ تقيكم الحر﴾ [ النحل : ٨١ ] ولم يذكر البرد.
وأيضاً فالضدان إذا كانا بحيث لا يحصل بينهما واسطة، فمتى بانت خاصية أحد القسمين بانت خاصية القسم الآخر والحق والباطل لا واسطة بينهما، فمتى استبانت طريقة المجرمين فقد استبانت طريقة المحقين أيضاً لا محالة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ٦﴾


الصفحة التالية
Icon