قوله تعالى ﴿ وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٨٧) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما نص سبحانه على هؤلاء، وختم بتفضيل كل على العالمين، أتبعه على سبيل الإجمال أن غيرهم كان مهدياً، وأن فضل هؤلاء علة النص لهم على أسمائهم، فقال ترغيباً في سلوك هذا السبيل بكثرة سالكيه وحثاً على منافستهم في حسن الاستقامة عليه والسلوك فيه :﴿ومن﴾ أي وهدينا أو وفضلنا من ﴿آبائهم﴾ أي أصولهم ﴿وذرياتهم﴾ أي من فروعهم من الرجال والنساء ﴿وإخوانهم﴾ أي فروع أصولهم، وعطف على العامل المقدر قوله :﴿واجتبيناهم﴾ أي واخترناهم، ثم عطف عليه بيان ما هدوا إليه حثاً لنا على شكره على ما زادنا من فضله فقال :﴿وهديناهم﴾ أي بما تقدم من الهداية ﴿إلى صراط مستقيم﴾ وأما الصراط المستقيم فخصصناكم به وأقمناكم عليه، فاعرفوا نعمتنا عليكم واذكروا تفضيلنا لكم. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٦٦٩﴾
فصل
قال الفخر :
قوله تعالى :﴿وَمِنْ ءابَائِهِمْ وذرياتهم وإخوانهم﴾ يفيد أحكاماً كثيرة :
الأول : أنه تعالى ذكر الآباء والذريات والإخوان، فالآباء هم الأصول، والذريات هم الفروع، والإخوان فروع الأصول، وذلك يدل على أنه تعالى خص كل من تعلق بهؤلاء الأنبياء بنوع من الشرف والكرامة،
والثاني : أنه تعالى قال :﴿وَمِنْ ءابَائِهِمْ﴾ وكلمة "من" للتبعيض.
فإن قلنا : المراد من تلك الهداية الهداية إلى الثواب والجنة والهداية إلى الإيمان والمعرفة، فهذه الكلمة تدل على أنه قد كان في آباء هؤلاء الأنبياء من كان غير مؤمن ولا واصل إلى الجنة.
أما لو قلنا : المراد بهذه الهداية النبوة لم يفد ذلك.
الثالث : أنا إذا فسرنا هذه الهداية بالنبوة كان قوله :﴿وَمِنْ ءَابَائِهِمْ وذرياتهم وإخوانهم﴾ كالدلالة على أن شرط كون الإنسان رسولاً من عند الله أن يكون رجلاً، وأن المرأة لا يجوز أن تكون رسولاً من عند الله تعالى، وقوله تعالى بعد ذلك :﴿واجتبيناهم﴾ يفيد النبوة، لأن الاجتباء إذا ذكر في حق الأنبياء عليهم السلام لا يليق به إلا الحمل على النبوة والرسالة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ٥٥﴾