قوله تعالى ﴿ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١٠) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان التقدير : فإنا نطبع على قلوبهم، ونزين لهم سوء أعمالهم، عطف عليه قوله :﴿ونقلب﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿أفئدتهم﴾ أي قلوبهم حتى لا يهتدوا بها ﴿وأبصارهم﴾ حتى لا ينفعهم الإبصار بها، فلا يعتبرون فلا يؤمنون ﴿كما لم يؤمنوا به﴾ أي بمثل ذلك ﴿أو لمرة﴾ أي عند إتيان الآيات التي قبل تلك ﴿ونذرهم﴾ أي نتركهم ﴿في طغيانهم﴾ أي تجاوزهم للحدود ﴿يعمهون﴾ أي يديمون التحير على أن الحال لما فيه من الدلالة لا يقتضي حيرة بوجه. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٦٩٦﴾

فصل


قال الفخر :
﴿ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾
هذا أيضاً من الآيات الدالة على قولنا : إن الكفر والإيمان بقضاء الله وقدره، والتقلب والقلب واحد، وهو تحويل الشيء عن وجهه، ومعنى تقليب الأفئدة والأبصار : هو أنه إذا جاءتهم الآيات القاهرة التي اقترحوها وعرفوا كيفية دلالتها على صدق الرسول، إلا أنه تعالى إذا قلب قلوبهم وأبصارهم عن ذلك الوجه الصحيح بقوا على الكفر ولم ينتفعوا بتلك الآيات، والمقصود من هذه الآية تقرير ما ذكرناه في الآية الأولى من أن تلك الآيات القاهرة لو جاءتهم لما آمنوا بها ولما انتفعوا بظهورها ألبتة.
أجاب الجبائي عنه بأن قال : المراد ونقلب أفئدتهم وأبصارهم في جهنم على لهب النار وجمرها لنعذبهم كما لم يأمنوا به أول مرة في دار الدنيا.
وأجاب الكعبي عنه : بأن المراد من قوله :﴿وَنُقَلّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وأبصارهم﴾ بأنا لا نفعل بهم ما نفعله بالمؤمنين من الفوائد والألطاف من حيث أخرجوا أنفسهم عن هذا الحد بسبب كفرهم.
وأجاب القاضي : بأن المراد ونقلب أفئدتهم وأبصارهم في الآيات التي قد ظهرت، فلا تجدهم يؤمنون بها آخراً كما لم يؤمنوا بها أولاً.
واعلم أن كل هذه الوجوه في غاية الضعف، وليس لأحد أن يعيبنا، فيقول : إنكم تكررون هذه الوجوه في كل موضع، فإنا نقول : إن هؤلاء المعتزلة لهم وجوه معدودة في تأويلات آيات الجزاء، فهم يكررونها في كل آية، فنحن أيضاً نكرر الجواب عنها في كل آية، فنقول : قد بينا أن القدرة الأصلية صالحة للضدين وللطرفين على السوية.
فإذا لم ينضم على تلك القدرة داعية مرجحة امتنع حصول الرجحان، فإذا انضمت الداعية المرجحة إما إلى جانب الفعل أو إلى جانب الترك ظهر الرجحان، وتلك الداعية ليست إلا من الله تعالى قطعاً للتسلسل.
وقد ظهر صحة هذه المقدمات بالدلائل القاطعة اليقينية التي لا يشك فيها العاقل.


الصفحة التالية
Icon