قوله تعالى ﴿ قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (١٣٥) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما تقرر ذلك من التهديد على إنكار البعث وتحرر، فأنتج الاجتهاد للعاقل - ولا بد - في العمل، وكان أكثر الخلق أحق، أمره سبحانه بالنصيحة بقوله :﴿قل يا قوم﴾ أي يا أقرب الخلق إليّ وأعزهم عليّ ومن لهم قيام في الأمور وكفاية عند المهمات ﴿اعملوا﴾ وأشار إلى مزيد القوة بعد التعبير بالقوم بحرف الاستعلاء فقال :﴿على مكانتكم﴾ أي على ما لكم من القدرة على العمل والمكنة قبل أن تأتي الدواهي وتسبقكم القواصم بخفوق الأجل، وفيه مع النصيحة تخويف أشد مما قبله، لأن تهديد الحاضر على لسان الغير مع الإعراض أشد من مواجهته بالتهديد، أي أنكم لم تقبلوا بذلك التهديد الأول كنتم أهلاً للإعراض والبعد.
ولما كان أدل شيء على النصيحة مبادرة الناصح إلى مباشرة ما نصح به ودعا إليه، قال مستانفاً أو معللاً :﴿إني عامل﴾ أي على مكانتي وبقدر استطاعتي قبل الفوت بحادث الموت، ويمكن أن يكون متمحضاً للتهديد، فيكون المعنى : اعملوا بما أنتم تعملونه الآن من مخالفتي بغاية ما لكم من القوة، إني كذلك أعمل فيما جئت به.
ولما كان وقوع المتوعد به سبباً للعلم بالعاقبة، وكان السياق لعدم تذكرهم وغرورهم وقلة فطنتهم، حسن إثبات الفاء في قوله : دون إسقاطها لأن الاستئناف يتعطف للسؤال فقال :﴿فسوف تعلمون﴾ أي يقع لكم بوعد لا خلف فيه العلم، فكأنه قيل : أيّ علم؟ فقيل :﴿من تكون له﴾ كوناً كأنه جبل عليه ﴿عاقبة الدار﴾ أي بيني وبينكم، وهذا في إثبات الفاء بخلاف ما في قصة شعيب عليه السلام من سورة هود عليه السلام في حذفها ؛ ولما كان التقدير جواباً لما تقرر من سؤالهم : عاقبة الدار للعامل العدل، استأنف قوله :﴿إنه لا يفلح الظالمون﴾ أي الغريقون في الظلم كائنين من كانوا، فلا يكون لهم عاقبة الدار، فالآية من الاحتباك : ذكرُ العاقبة أولاً دليل على حذفها ثانياً، وذكر الظلم ثانياً دليل على حذف العدل أولاً. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٧١٩ ـ ٧٢٠﴾

فصل



الصفحة التالية
Icon