قوله تعالى ﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١٤٧) ﴾
" فصل "
قال البقاعى :
﴿وإنا لصادقون﴾ أي ثابت صدقنا أزلاً وأبداً كما اقتضاه ما لنا من العظمة، وتعقيبه بقوله :﴿فإن﴾ أي وتسبب عن هذا الإيحاء الجامع الوجيز الدال على الصدق الذي لا شبهة فيه أنا نقول ذلك :﴿كذبوك فقل﴾ والتعبير بأداة الشك مشير إلى أن الحال يقتضي أن يستبعد أن يقع منهم تكذيب بعد هذا ﴿ربكم﴾ أي المحسن إليكم بالبيان والإمهال مع كل امتنان ﴿ذو رحمة واسعة﴾ أي فهو مع اقتداره قضى أنه يحلم عنكم بالإمهال إلى أجل يعلمه.
ولما أخبر عن رحمته، نوه بعظيم سطوته فقال :﴿ولا يرد بأسه﴾ أي إذا أراد الانتقام ﴿عن القوم المجرمين﴾ أي القاطعين لما ينبغي وصله، فلا يغتر أحد بإمهاله في سوء أعماله وتحقيق ضلاله، وفي هذه الآية من شديد التهديد ما لطيف الاستعطاف ما هو مسبوك على الحد الأقصى من البلاغة. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٧٣٧﴾

فصل


قال الفخر :
﴿فَإِن كَذَّبُوكَ﴾ يعني إن كذبوك في ادعاء النبوة والرسالة، وكذبوك في تبليغ هذه الأحكام ﴿فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسعة﴾ فلذلك لا يعجل عليكم بالعقوبة ﴿وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ﴾ أي عذابه إذا جاء الوقت ﴿عَنِ القوم المجرمين﴾ يعني الذين كذبوك فيما تقول، والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ١٨٤﴾
فائدة
قال محمد بن أبى بكر الرازى :
فإن قيل : كيف قال تعالى :﴿ فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ ﴾ والموضع موضع العقوبة فكان يحسن أن يقال فيه : ذو عقوبة شديدة أو عظيمة أو نحو ذلك ؟
قلنا : إنما قال ذلك نفيا للاغترار بسعة رحمته فى الاجتراء على معصيته، وذلك أبلغ فى التهديد ؛ معناه لا تغتروا بسعة رحمته فإنه مع ذلك لا يرد عذابه عنكم.
وقيل : معناه : فقل ربكم ذو رحمة واسعة للمطيعين ولا يرد عذابه عن العاصين. أ هـ ﴿تفسير الرازى صـ ١٤٣ ـ ١٤٤﴾


الصفحة التالية