قوله تعالى ﴿ قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (١٤٩) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما انتفى أن يكون لهم حجة، وثبت أن الأمر إنما هو لله، ثبت أنه المختص بالحجة الواضحة، فقال مسبباً عن ذلك :﴿قل فلله﴾ أي الإله الأعظم وحده ﴿الحجة البالغة﴾ أي التي بلغت أعلى درجات الحق قوة ومتانة وبياناً ووضوحاً ورصانة بسبب أنه شامل العلم كامل القدرة كما أقررتم بذلك حين قلتم " ولو شاء الله ما أشركنا " وإن كنتم قلتموه على سبيل الإلزام والعناد لا لأجل التدين والاعتقاد ﴿فلو شاء﴾ أي الله ﴿لهداكم﴾ أي أنتم ومخالفيكم ﴿أجمعين﴾ ولكنه لم يشأ ذلك، بل شاء هداية بعض وضلال آخرين، فوقع ذلك على الوجه الذي شاءه، فلزم على قولكم أن يكون الفريقان محقين، فيكون الشيء الواحد حقاً غير حق في حال واحد، وهذا لا يقوله عاقل، ويلزمكم على ذلك أيضاً أن توالوا أخصامكم ولا تعادوهم وإن فعلوا ما فعلوا، لأنه حق رضى الله لأنه بمشيئته وأنتم لا تقولون ذلك، فبطل قولكم فثبت أنه قد يشاء الباطل لأنه لا يسأل عما يفعل ويرسل الرسل إليكم لإزالته ليقيم بهم الحجة على من يريد عقابه على ما يتعارفه الناس بينهم، وورود الأمر على خلاف الإرادة غير ممتنع. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٧٣٩﴾
فصل
قال الفخر :
احتج أصحابنا على قولهم الكل بمشيئة الله تعالى بقوله :﴿فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ فكلمة "لو" في اللغة تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره، فدل هذا على أنه تعالى ما شاء أن يهديهم، وما هداهم أيضاً.
وتقريره بحسب الدليل العقلي، أن قدرة الكافر على الكفر إن لم تكن قدرة على الإيمان فالله تعالى على هذا التقدير ما أقدره على الإيمان، فلو شاء الإيمان منه، فقد شاء الفعل من غير قدرة على الفعل، وذلك محال ومشيئة المحال محال، وإن كانت القدرة على الكفر قدرة على الإيمان توقف رجحان أحد الطرفين على حصول الداعية المرجحة.