قوله تعالى ﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (١٦٠) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما أخبر أن أمرهم ليس إلا إليه، كان كأنه قيل : فماذا يفعل بهم حينئذ؟ فأجيب بقوله :﴿من جاء﴾ أي منهم أو من غيرهم ﴿بالحسنة﴾ أي الكاملة بكونها على أساس الإيمان ﴿فله﴾ من الحسنات ﴿عشر أمثالها﴾ كرماً وإحساناً وجوداً وامتناناً، يجازيه بذلك في الدنيا أو في الآخرة، وهذا المحقق لكل أحد ويزداد البعض وضوحاً بحسب النيات، وذكر العشر، لأنه بمعنى الحسنة، وهو مضاف إلى ضميرها.
ولما تضمن قوله ﴿وأوفوا الكيل والميزان بالقسط﴾ [ الأنعام : ١٥٣ ] مع تعقيبه بقوله ﴿لا نكلف نفساً إلاّ وسعها﴾ [ الأنعام : ١٥٢ ] الإشارة إلى أن المساواة في الجزاء مما ينقطع دونه أعناق الخلق، أخبر أن ذلك عليه هين لأن عمله شامل وقدرته كاملة بقوله :﴿ومن جاء بالسيئة﴾ أي أيّ شيء كان من هذا الجنس ﴿فلا يجزى﴾ أي في الدارين ﴿إلا مثلها﴾ إذا جوزي، ويعفو عن كثير.
ولما كانت المماثلة لا يلزم كونها من كل وجه وإن كانت ظاهرة في ذلك لا سيما في هذه العبارة، صرح بما هو ظاهره لأنه أطيب للنفس وأسكن للروع فقال :﴿وهم لا يظلمون﴾ أي بكونها مثلها في الوحدة وإن كانت أكبر أو من جنس أشد من جنسها ونحو ذلك، بل المماثلة موجودة في الكم والكيف، فلا ينقص أحد في ثواب ولا يزاد في عقاب. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٧٥١ ﴾
فصل
قال الفخر :
في الآية مسائل :
المسألة الأولى :
قال بعضهم : الحسنة قول لا إله إلا الله، والسيئة هي الشرك، وهذا بعيد بل يجب أن يكون محمولاً على العموم إما تمسكاً باللفظ وإما لأجل أنه حكم مرتب على صف مناسب له فيقتضي كون الحكم معللاً بذلك الوصف فوجب أن يعم لعموم العلة.
المسألة الثانية :
قال الواحدي رحمه الله : حذفت الهاء من عشر والأمثال جمع مثل، والمثل مذكر لأنه أريد عشر حسنات أمثالها، ثم حذفت الحسنات وأقيمت الأمثال التي هي صفتها مقامها وحذف الموصوف كثير في الكلام، ويقوي هذا قراءة من قرأ عشر أمثالها بالرفع والتنوين.