قوله تعالى ﴿ اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (٣) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما تقدم سبحانه إليه ﷺ في أمر الإنذار والإذكار بالكتاب تقدم إلى اتباعه فأمرهم باتباعه ونهاهم عن اتباع أهل الضلال وما يوحي إليهم أولياؤهم من زخارفهم بعد أن أخبر بكونه ذكرى أنه سبب لعلو شأنهم وعز سلطانهم، فقال ملتفتاً إليهم مقبلاً بعز جلاله عليهم ﴿اتبعوا﴾ أي حملوا أنفسكم حملاً عظيماً بجد ونشاط على اتباع ﴿ما أنزل إليكم﴾ أي قد خصصتم به دون غيركم فاشكروا هذه النعمة ﴿من ربكم﴾ أي الذي لم يزل محسناً إليكم ﴿ولاتتبعوا﴾ ولعله عبر بالافتعال إيماء إلى أن ما كان دون علاج - بل هفوة وبنوع غفلة - في محل العفو ﴿من دونه﴾ أي دون ربكم ﴿أولياء﴾ أي من الذين نهيناكم عنهم في الأنعام وبينا ضررهم لكم من شياطين الإنس والجن وعدم إغنائهم وأن الأمر كله لربكم.
ولما كانوا قد خالفوا في اتباعهم صريح العقل وسليم الطبع، وعندهم أمثلة ذلك لو تذكروا، قال منبهاً لهم على تذكر ما يعرفون من تصرفاتهم :﴿قليلاً﴾ وأكد التقليل ب " ما " النافي وبإدغام تاء التفعيل فقال :﴿ما تذكرون﴾ أي تعالجون أنفسكم على ذكر ما هو مركوز في فطركم الأولى فإنكم مقرون بأن ربكم رب كل شيء، فكل من تدعون من دونه مربوب، وأنتم لا تجدون في عقولكم ولا طباعكم ولا استعمالاتكم ما يدل بنوع دلالة على أن مربوباً يكون شريكاً لربه. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٧﴾

فصل


قال الفخر :
اعلم أن أمر الرسالة إنما يتم بالمرسل وهو الله سبحانه وتعالى والمرسل وهو الرسول، والمرسل إليه، وهو الأمة، فلما أمر في الآية الأولى الرسول بالتبليغ والإنذار مع قلب قوي، وعزم صحيح أمر المرسل إليه.
وهم الأمة بمتابعة الرسول.
فقال :﴿اتبعوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مّن رَّبّكُمْ﴾
وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى :
قال الحسن : يا ابن آدم، أمرت باتباع كتاب الله وسنة رسوله.
واعلم أن قوله :﴿اتبعوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مّن رَّبّكُمْ﴾ يتناول القرآن والسنة.
فإن قيل : لماذا قال :﴿أُنزِلَ إِلَيْكُمُ﴾ وإنما أنزل على الرسول.
قلنا : إنه منزل على الكل بمعنى أنه خطاب للكل.
إذا عرفت هذا فنقول : هذه الآية تدل على أن تخصيص عموم القرآن بالقياس لا يجوز لأن عموم القرآن منزل من عند الله تعالى.
والله تعالى أوجب متابعته، فوجب العمل بعموم القرآن ولما وجب العمل به امتنع العمل بالقياس، وإلا لزم التناقض.
فإن قالوا : لما ورد الأمر بالقياس في القرآن.
وهو قوله :﴿فاعتبروا﴾ [ الحشر : ٢ ] كان العمل بالقياس عملاً بما أنزل الله.
قلنا : هب أنه كذلك إلا أنا نقول : الآية الدالة على وجوب العمل بالقياس إنما تدل على الحكم المثبت بالقياس، لا ابتداء بل بواسطة ذلك القياس.


الصفحة التالية
Icon