قوله تعالى ﴿ فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (٧) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان السؤال يفهم خفاء المسؤول عنه على السائل، سبب عن ذلك ما يزيل هذا الوهم بقوله مؤذناً بأنه أعلم من المسؤولين عما سألهم عن :﴿فلنقصن﴾ أي بما لنا من صفات العظمة المستلزمة لكل كمال ﴿عليهم﴾ أي المسؤولين من الرسل وأممهم، جميع أحوالهم وما يستحقون من جزائها ﴿بعلم﴾ أي مقطوع به لا مظنون، فقد كنا معهم في جميع تقلباتهم ﴿وما كنا﴾ أي في وقت من الأوقات كما هو مقتضى ما لنا من العظمة ﴿غائبين﴾ أي مطلقاً ولا عن أحد من الخلق بل علمنا شامل لجميع الكليات والجزئيات لأن ذلك مقتضى العظمة ما لنا من صفات الكمال، ومن لم يكن محيط العلم بأن يميز المطيع من العاصي لا يصح أن يكون إلهاً. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٨ ـ ٩﴾

فصل


قال الفخر :
قوله تعالى :﴿فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ﴾ يدل على أنه تعالى عالم بالعلم، وأن قول من يقول : إنه لا علم لله قول باطل.
فإن قيل : كيف الجمع بين قوله :﴿فَلَنَسْئَلَنَّ الذين أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ المرسلين﴾ وبين قوله :﴿فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْئَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَانٌّ﴾ [ الرحمن : ٣٩ ] وقوله :﴿وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ المجرمون﴾ [ القصص : ٧٨ ].
قلنا فيه وجوه : أحدها : أن القوم لا يسألون عن الأعمال، لأن الكتب مشتملة عليها ولكنهم يسألون عن الدواعي التي دعتهم إلى الأعمال، وعن الصوارف التي صرفتهم عنها.
وثانيها : أن السؤال قد يكون لأجل الاسترشاد والاستفادة، وقد يكون لأجل التوبيخ والإهانة، كقول القائل ألم أعطك وقوله تعالى :﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يبَنِى آدمَ﴾ [ ياس : ٦٠ ] قال الشاعر :
ألستم خير من ركب المطايا.. إذا عرفت هذا فنقول : إنه تعالى لا يسأل أحداً لأجل الاستفادة والاسترشاد، ويسألهم لأجل توبيخ الكفار وإهانتهم، ونظيره قوله تعالى :﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ﴾ [ الصافات : ٢٧ ] ثم قال :﴿فَلاَ أنساب بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءلُونَ﴾ [ المؤمنون : ١٠١ ] فإن الآية الأولى تدل على أن المسألة الحاصلة بينهم إنما كانت على سبيل أن بعضهم يلوم بعضاً، والدليل عليه قول :﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يتلاومون﴾ [ القلم : ٣٠ ] وقوله :﴿فَلاَ أنساب بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءلُونَ﴾ معناه أنه لا يسأل بعضهم بعضاً على سبيل الشفقة واللطف، لأن النسب يوجب الميل والرحمة والإكرام.
والوجه الثالث : في الجواب : أن يوم القيامة يوم طويل ومواقفها كثيرة، فأخبر عن بعض الأوقات بحصول السؤال، وعن بعضها بعدم السؤال.
فائدة :


الصفحة التالية
Icon