قوله تعالى ﴿ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (٢٠) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ثم بين أنه أقل من أن يكون له فعل، وأن الكل بيده سبحانه، هو الذي جعله آلة لمراده منه ومنهم، وأن من يهد الله فهو المهتدي، ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون، فقال :﴿فوسوس﴾ أي القى في خفاء وتزيين وتكرير واشتهاء ﴿لهما الشيطان﴾ أي بما مكنه الله منه من أنه يجري من الإنسان مجرى الدم ويلقى له في خفاء ما يميل به قلبه إلى ما يريد ؛ ثم بين علة الوسوسة بقوله :﴿ليبدي﴾ أي يظهر ﴿لهما ما روي﴾ أي ستر وغطي بأن جعل كأنه وراءهما لا يلتفتان إليه ﴿عنهما﴾ والبناء للمفعول إشارة إلى أن الستر بشيء لا كلفة عليهما فيه كما يأتي في قوله ﴿ينزع عنهما لباسهما﴾ [ الأعراف : ٢٧ ] و﴿من سوءاتهما﴾ أي المواضع التي يسوءهما انكشافها، وفي ذلك أن إظهار السوءة موجب للعبد من الجنة وأن بينهما منفية الجمع وكمال التباين.
ولما أخبر بالوسوسة وطوى مضمونها مفهماً أنه أمر كبير وخداع طويل، عطف عليه قوله :﴿وقال﴾ اي في وسوسته أيضاً، أي زين لهما ما حدث بسببه في خواطرهما هذا القول :﴿ما نهاكما﴾ وذكرهما بوصف الإحسان تذكيراً بإكرامه لهما تجزئة لهما على ما يريد منهما فقال :﴿ربكما﴾ أي المحسن إليكما بما تعرفانه من أنواع إحسانه ﴿عن﴾ أي ما جعل نهايتكما في الإباحة للجنة متجاوزة عن ﴿هذه الشجرة﴾ جمع بين الإشارة والاسم زيادة في الاعتناء بالتنصيص ﴿إلا أن﴾ أي كراهية أن ﴿تكونا ملكين﴾ أي في عدم الشهوة وفي القدرة على الطيران والتشكل وغير ذلك من خواصهم ﴿أو تكونا﴾ أي بما يصير لكما من الجبلة ﴿من الخالدين﴾ أي الذين لا يموتون ولا يخرجون من الجنة أصلاً. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ١٦ ـ ١٧﴾