قوله تعالى ﴿ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آَبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٢٨) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما جعل أمارتهم في ولاية الشيطان عدم الإيمان، عطف على ذلك أمارة أخرى فقال :﴿وإذا فعلوا فاحشة﴾ أي أمراً بالغاً في القبح كالشرك وكشف العورة في الطواف ﴿قالوا﴾ معللين لارتكابهم إياها ﴿وجدنا عليها﴾ أي فاحشة ﴿آباءنا﴾ ولما كانت هذه العلة ظاهراً عارها بيناً عوارها، ضموا إليها افتراء ما يصلح للعلية، فقالوا معبرين بالاسم الأعظم غير محتشمين من جلاله وعظمته وكماله :﴿والله أمرنا بها ﴾.
ولما كانت العلة الأولى ملغاة، وكان العلم ببطلانها بديهياً، لأن من المعلوم أنهم لو وجدوهم على سفه في تحصيل المال ما تابعوهم ؛ أعرض عنها إشارة إلى ذلك، وأمر بالجواب عن الثانية التي هي افتراء على الملك الأعلى مع ادعائهم أنهم أبعد الناس عن مطلق الكذب وأشدهم تحرياً بقوله :﴿قل إن الله﴾ أي الذي له الكمال كله ﴿لا يأمر بالفحشاء﴾ أي بشيء من هذا الجنس.
ولما كان الكذب قبيحاً في نفسه وهو عندهم أقبح القبيح مطلقاً، فكيف به على كبير منهم فكيف إذا كان على أعظم العظماء! قال منكراً عليهم موبخاً لهم مهدداً :﴿أتقولون على الله﴾ أي الذي له جميع العظمة ﴿ما لا تعلمون﴾ لأنكم لم تسمعوا ذلك عن الله بلا واسطة ولا نقل إليكم بطريق صحيح عن نبي من الأنبياء عليهم السلام، وفيه تهديد شديد على الجهل والقول على الله بالظن. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٢٣ ـ ٢٤﴾
فصل
قال الفخر :
اعلم أن في الناس من حمل الفحشاء على ما كانوا يحرمونه من البحيرة والسائبة وغيرهما، وفيهم من حمله على أنهم كانوا يطوفون بالبيت عراة الرجال والنساء، والأولى أن يحكم بالتعميم، والفحشاء عبارة عن كل معصية كبيرة، فيدخل فيه جميع الكبائر، واعلم أنه ليس المراد منه أن القرم كانوا يسلمون كون تلك الأفعال فواحش.
ثم كانوا يزعمون أن الله أمرهم بها، فإن ذلك لا يقوله عاقل.