قوله تعالى ﴿ فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٠) ﴾
" فصل "
قال البقاعى :
﴿فريقاً هدى﴾ أي خلق الهداية في قلوبهم فحق لهم ثواب الهداية ﴿وفريقاً﴾ أضل، ثم فسر أضل - لأنه واجب التقدير بالنصب - بقوله :﴿حق﴾ أي ثبت ووجب ﴿عليهم الضلالة﴾ أي لأنه أضلهم فيحشرون على ما كانو عليه في الدنيا من الأديان، والأبدان، وقد تبين أن ههنا احتباكين : أثبت في أولهما بدا دليلاً على حذف يعيد وذكر تعودون دليلاً على حذف تبتدئون، وأثبت في الثاني هدى دليلاً على حذف أضل وذكر حقوق الضلالة دليلاً على حذف حقوق الهدى.
ولما كرر سبحانه ذكر البعث كما تدعو إليه الحكمة في تقرير ما ينكره المخاطب تأنيساً له به وكسراً لشوكته وإيهاناً لقوته وقمعاً لسورته إلى أن ختم بما هو أدل عليه مما قبل من قوله ومنها تخرجون ﴿فلنسئلن الذين أرسل إليهم﴾ [ الأعراف : ٦ ] علل ما ختم به هذا الدليل من حقوق الضلالة أي وجوبها أي وجوب وبالها عليهم بقوله :﴿إنهم اتخذوا﴾ أي كلفوا أنفسهم ضد ما دعتهم إليه الفطرة الأولى بأن أخذوا ﴿الشياطين أولياء﴾ أي أقرباء وأنصاراً ﴿من دون الله﴾ أي الملك الأعلى الذي لا مثل له ﴿ويحسبون﴾ أي والحال أنهم يظنون بقلة عقولهم ﴿أنهم مهتدون﴾ فأشار بذلك إلى أنهم استحقوا النكال لأنهم قنعوا في الأصول - التي يجب فيها الابتهال إلى القطع - بالظنون. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٢٤ ـ ٢٥﴾

فصل


قال الفخر :
قوله تعالى :﴿فَرِيقًا هدى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضلالة﴾
فيه بحثان :
البحث الأول : احتج أصحابنا بهذه الآية على أن الهدى والضلال من الله تعالى.
قالت المعتزلة : المراد فريقاً هدى إلى الجنة والثواب، وفريقاً حق عليهم الضلالة، أي العذاب والصرف عن طريق الثواب.
قال القاضي : لأن هذا هو الذي يحق عليهم دون غيرهم، إذ العبد لا يستحق، لأن يضل عن الدين، إذ لو استحق ذلك لجاز أن يأمر أنبياءه بإضلالهم عن الدين، كما أمرهم بإقامة الحدود المستحقة، وفي ذلك زوال الثقة بالنبوات.
واعلم أن هذا الجواب ضعيف من وجهين : الأول : أن قوله :﴿فَرِيقًا هدى﴾ إشارة إلى الماضي وعلى التأويل الذي يذكرونه يصير المعنى إلى أنه تعالى سيهديهم في المستقبل، ولو كان المراد أنه تعالى حكم في الماضي بأنه سيهديهم إلى الجنة، كان هذا عدولاً عن الظاهر من غير حاجة، لأنا بينا بالدلائل العقلية القاطعة أن الهدى والضلال ليسا إلا من الله تعالى.


الصفحة التالية