قوله تعالى ﴿ يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (٣١) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما أمر سبحانه بالقسط وبإقامة الوجه عند كل مسجد، أمرهم بما ينبغي عند تلك الإقامة من ستر العورة الذي تقدم الحث عليه وبيان فحش الهتك وسوء أثره معبراً عنه بلفظ الزينة ترغيباً فيه وإذناً في الزينة وبياناً لأنها ليس مما يتورع عنه لقوله ﷺ " إن الله يحب إذا بسط على عبد رزقه أن يرى أثر نعمته عليه " رواه أحمد والترمذي وابن منيع عن أبي هريرة رضى الله عنه، وأتبع ذلك أعظم ما ينبغي لابن آدم أن يعتبر فيه القسط من المأكل والمشرب فقال مكرراً النداء استعطافاً وإظهاراً لعظيم الإشفاق وتذكيراً بقصة أبيهم آدم عليه السلام التي أخرجته من الجنة مع كونه صفي الله ليشتد الحذر :﴿يا بني آدم﴾ أي الذي زيناه فغره الشيطان ثم وقيناه شره بما أنعمنا عليه به من حسن التوبة وعظيم الرغبة ﴿خذوا زينتكم﴾ أي التي تقدم التعبير عنها بالريش لستر العورة والتجمل عند الاجتماع للعبادة ﴿عند كل مسجد﴾ وأكد ذلك كونُهم كانوا قد شرعوا أن غير الحمس يطوفون عراة.
ولما امر بكسوة الظاهر بالثياب لن صحة الصلاة متوقفة عليها، أمر بكسوة الباطن بالطعام والشراب لتوقف القدرة عادة عليها فقال :﴿وكلوا واشربوا﴾ وحسَّن ذلك أن بعضهم كان يتدين في الحج بالتضييق في ذلك.