قوله تعالى ﴿ لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٤١) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ثم فسر جزاء الكل فقال :﴿لهم من جهنم مهاد﴾ أي فرش من تحتهم، جمع مهد، ولعله لم يذكره لأن المهاد كالصريخ فيه ﴿ومن فوقهم غواش﴾ أي أغطية - جمع غاشية - تغشيهم من جهنم ؛ وصرح في هذا بالفوقية لأن الغاشية ربما كانت عن يمين أو شمال، أو كانت بمعنى مجرد الوصول والإدراك، ولعله إنما حذف الأول لأن الآية من الاحتباك، فذكر جهنم أولاً دليلاً على إرادتها ثانياً، وذكر الفوق ثانياً دليلاً على إرادة التحت أولاً.
ولما كان بعضهم ربما لا تكون له أهلية قطع ولا وصل، قال عاماً لجميع أنواع الضلال :﴿وكذلك﴾ أي ومثل ذلك الجزاء ﴿نجزي الظالمين﴾ ليعرف أن المدار على الوصف، والمجرم : المذنب ومادته ترجع إلى القطع، والظالم : الواضع للشيء في غير موضعه كفعل من يمشي في الظلام، يجوز أن يكون نبه سبحانه بتغاير الأوصاف على تلازمها، فمن كان ظالماً لزمه الإجرام والتكذيب والاستكبار وبالعكس. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٣٣ ـ ٣٤﴾
فصل
قال الفخر :
اعلم أنه تعالى لما بين من حالهم أنهم لا يدخلون الجنة ألبتة بين أيضاً أنهم يدخلون النار، فقال ﴿لَهُم مّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ﴾ وفيه مسألتان :
المسألة الأولى :
"المهاد" جمع مهد، وهو الفراش.
قال الأزهري : أصل المهد في اللغة الفرش، يقال للفراش مهاد لمواتاته، والغواشي جمع غاشية، وهي كل ما يغشاك، أي يجللك، وجهنم لا تنصرف لاجتماع التأنيث فيها والتعريف، وقيل اشتقاقها من الجهمة، وهي الغلظ، يقال : رجل جهم الوجه غليظه، وسميت بهذا لغلظ أمرها في العذاب قال المفسرون : المراد من هذه الآية الأخبار عن إحاطة النار بهم من كل جانب، فلهم منها غطاء ووطاء، وفراش ولحاف.
المسألة الثانية :
لقائل أن يقول : إن غواش، على وزن فواعل، فيكون غير منصرف، فكيف دخله التنوين ؟ وجوابه على مذهب الخليل وسيبويه إن هذا جمع، والجمع أثقل من الواحد، وهو أيضاً الجمع الأكبر الذي تتناهى الجموع إليه، فزاده ذلك ثقلاً، ثم وقعت الياء في آخره وهي ثقيلة، فلما اجتمعت فيه هذه الأشياء خففوها بحذف يائه، فلما حذفت الياء نقص عن مثال فواعل، وصار غواش بوزن جناح، فدخله التنوين لنقصانه عن هذا المثال.
أما قوله :﴿وكذلك نَجْزِى الظالمين﴾
قال ابن عباس : يريد الذين أشركوا بالله واتخذوا من دونه إلهاً وعلى هذا التقدير : فالظالمون ههنا هم الكافرون. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٤ صـ ٦٤ ـ ٦٥﴾