قوله تعالى ﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٤٢) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما أخبر عن أحوالهم ترهيباً، أتبعه الإخبار عن أحوال المؤمنين ترغيباً فقال ﴿والذين آمنوا﴾ في مقابلة ﴿الذين كذبوا ﴾.
ولما قال :﴿وعملوا﴾ أي تصديقاً لإيمانهم في مقابلة ﴿الذين استكبروا﴾ ﴿الصالحات﴾ وكان ذلك مظنة لتوهم أن عمل جميع الصالحات - لأنه جمع محلى بالألف واللام - شرط في دخول الجنة ؛ خلل ذلك بجملة اعتراضية تدل على التخفيف فقال :﴿لا نكلف نفساً إلا وسعها﴾ وترغيباً في اكتساب مالا يوصف من النعيم بما هو في الوسع ﴿أولئك﴾ أي العالو الرتبة ﴿أصحاب الجنة﴾ ولما كانت الصحبة تدل على الدوام، صرح به فقال :﴿هم فيها خالدون ﴾. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٣٤﴾
فصل
قال الفخر :
اعلم أنه تعالى لما استوفى الكلام في الوعيد أتبعه بالوعد في هذه الآية، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى :
اعلم أن أكثر أصحاب المعاني على أن قوله تعالى :﴿لاَ نُكَلّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ اعتراض وقع بين المبتدأ والخبر والتقدير ﴿والذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات أُوْلَئِكَ أصحاب الجنة هُمْ فِيهَا خالدون﴾ وإنما حسن وقوع هذا الكلام بين المبتدأ والخبر، لأنه من جنس هذا الكلام، لأنه لما ذكر عملهم الصالح، ذكر أن ذلك العمل في وسعهم غير خارج عن قدرتهم، وفيه تنبيه للكفار على أن الجنة مع عظم محلها يوصل إليها بالعمل السهل من غير تحمل الصعب.
وقال قوم : موضعه خبر عن ذلك المبتدأ والعائد محذوف، كأنه قيل : لا نكلف نفساً منهم إلا وسعها، وإنما حذف العائد للعلم به.
المسألة الثانية :
معنى الوسع ما يقدر الإنسان عليه في حال السعة والسهولة لا في حال الضيق والشدة، والدليل عليه : أن معاذ بن جبل قال في هذه الآية إلا يسرها لا عسرها.
وأما أقصى الطاقة يسمى جهداً لا وسعاً، وغلط من ظن أن الوسع بذل المجهود.
المسألة الثالثة :