قوله تعالى ﴿ وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (٤٨) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما تقدم كلامهم لأهل الجنة بالسلام، أخبر أنهم يكلمون أهل النار بالتوبيخ والملام فقال :﴿ونادى﴾ وأظهر الفاعل لئلا يلبس بأهل الجنة فقال ﴿أصحاب الأعراف﴾ أي الحال صرف وجوهم إلى جهة أهل النار ﴿رجالاً﴾ أي من أهل النار ﴿يعرفونهم﴾ أي بأعيانهم، وأما معرفتهم إجمالاً فتقدم، وإنما قال هنا :﴿بسيماهم﴾ لأن النار قد أكلتهم وغيرت معالمهم مع تغيرهم بالسمن وسواد الوجوه وعظم الجثث ونحوه ﴿قالوا﴾ نفياً أو استفهاماً توبيخاً وتقريعاً ﴿ما أغنى عنكم جمعكم﴾ أي للمال والرجال ﴿وما كنتم تستكبرون﴾ أي تجددون بهما هذه الصفة وتوجدونها دائماً في الدنيا زاعمين أنه لا غالب لكم. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٣٧﴾
فصل
قال الفخر :
اعلم أنه تعالى لما بين بقوله :﴿وَإِذَا صُرِفَتْ أبصارهم تِلْقَاء أصحاب النار قَالُواْ رَبَّنَا﴾ [ الأعراف : ٤٧ ] أتبعه أيضاً بأن أصحاب الأعراف ينادون رجالاً من أهل النار، واستغنى عن ذكر أهل النار لأجل أن الكلام المذكور لا يليق إلا بهم، وهو قولهم :﴿مَا أغنى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ﴾ وذلك لا يليق إلا بمن يبكت ويوبخ، ولا يليق أيضاً إلا بأكابرهم، والمراد بالجمع، إما جمع المال، وإما الاجتماع والكثرة ﴿وَمَا كُنتُمْ تَستَكبِرُون﴾ والمراد : استكبارهم عن قبول الحق، واستكبارهم على الناس المحقين.
وقرىء ﴿تستكثرون﴾ من الكثرة، وهذا كالدلالة على شماتة أصحاب الأعراف بوقوع أولئك المخاطبين في العقاب، وعلى تبكيت عظيم يحصل لأولئك المخاطبين بسبب هذا الكلام. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٤ صـ ٧٥ ﴾