قوله تعالى ﴿ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (٥١) ﴾
" فصل "
قال البقاعى :
﴿الذين اتخذوا﴾ أي تكلفوا غير ما دلهم عليه العقل الفطري حين نبه بالعقل الشرعي بأن أخذوا ﴿دينهم﴾ بعد ما محقوا صورته وحقيقته كما يمحق الطين إذا اتخذته خزفاً فصار الدين ﴿لهواً﴾ أي اشتغالاً بما من شأنه أن يغفل وينسى عن كل ما ينفع من الأمور المعجبة للنفس من غير نظر في عاقبة، فجوزوا من جنس عملهم بأن لم ينظر لهم في إصلاح العاقبة.
ولما قدم ما هو أدعى إلى الاجتماع على الباطل الذي هو ضد مقصود السورة من الاجتماع على الجد وأدعى إلى الغفلة، وكان من شأن الغفلة عن الخير أن تجر إلى استجلاب الأفراح والانهماك في الهوى، حقق ذلك بقوله :﴿ولعباً﴾ أي إقبالاً على ما يجلب السرور ويقطع الوقت الحاضربالغرور، ولذلك أتبعه قوله :﴿وغرتهم﴾ أي في فعل ذلك ﴿الحياة الدنيا﴾ أي بما فيها من الأعراض الزائلة من تأميل طول العمر والبسط في الرزق ورغد العيش حتى صاروا بذلك محجوبين عن نظر معانيها وعما دعا إليه تعالى من الإعراض عنها فلم يحسبوا حساب ما وراءها.
ولما كان تركهم من رحمته سبحانه مؤبداً، أسقط الجار ﴿فاليوم﴾ أي فتسبب عن ذلك أن في هذا اليوم ﴿ننساهم﴾ أي نتركهم ترك المنسي ﴿كما﴾ فعلوا هم بأنفسهم بأن ﴿نسوا﴾ أي تركوا ﴿لقاء يومهم هذا﴾ فلم يعدوا له عدته ﴿وما﴾ أي وكما ﴿كانوا﴾ أي جبلة وطبعاً ﴿بآياتنا﴾ على ما لها من العظمة بنسبها إلينا ﴿يجحدون﴾ أي ينكرون وهم يعرفون حقيقتها لأنها في غاية الظهور. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٣٨ ـ ٣٩﴾
فصل
قال الفخر :
ثم إنه تعالى وصف هؤلاء الكفار بأنهم اتخذوا دينهم لهواً ولعباً،
وفيه وجهان :
الوجه الأول : أن الذي اعتقدوا فيه أنه دينهم، تلاعبوا به، وما كانوا فيه مجدين.
والوجه الثاني : أنهم اتخذوا اللهو واللعب ديناً لأنفسهم، قال ابن عباس رضي الله عنهما يريد المستهزئين المقتسمين.
ثم قال :﴿وَغَرَّتْهُمُ الحياة الدنيا﴾ وهو مجاز لأن الحياة الدنيا لا تغر في الحقيقة بل المراد أنه حصل الغرور عند هذه الحياة الدنيا، لأن الإنسان يطمع في طول العمر وحسن العيش وكثرة المال، وقوة الجاه فلشدة رغبته في هذه الأشياء يصير محجوباً عن طلب الدين.
غرقاً في طلب الدنيا، ثم لما وصف الله تعالى أولئك الكفار بهذه الصفات قال :﴿فاليوم ننساهم كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هذا﴾ وفي تفسير هذا النسيان قولان :