قوله تعالى ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٥٥) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما ذكر تعالى تفرده بالخلق والأمر المقتضي لتفرده بالعبادة للتوجيه إلى تحصيل المعارف النفسانية والعلوم الحقيقية، أمر بهذا المقتضى اللائق بتلك المعارف، وهو الدعاء الذي هو مخ العبادة فقال :﴿ادعوا ربكم﴾ أي الدائم الإحسان إليكم دعاء عبادة وخضوع ﴿تضرعاً﴾ أي تذللاً ظاهراً ﴿وخفية﴾ أي وتذللاً باطناً، وقد أثنى على عبده زكريا عليه السلام فقال :﴿إذ نادى ربه نداء خفياً﴾ [ مريم : ٣ ] أي اجمعوا إلى خضوع الظاهر خضوع الباطن، أي أخلصوا له العبادة، إنه يحب المخلصين لأن تفرده بأن يدعى هو اللائق بمقام عز الربوبية، والتذلل على هذه الصفة هو اللائق بمقام ذل العبودية، وهذا هو المقصود من الدعاء لا تحويل العلم الأزلي، وهو المقصود من جميع العبادات، فإن العبد لا يدعو إلا وقد استحضر من نفسه الذل والصعب والحاجة، ومن ربه العلم والقدرة والكفاية، وهذا هو المقصود من جميع العبادات، فلهذا كان الدعاء مخ العبادة، وقد جمع هذا الكلام على وجازته كل ما يراد تحقيقه وتحصيله من شرائط الدعاء بحيث إنه لا مزيد عليه، ومن فعل خلاف ذلك فقد تجاوز الحد، وإلى ذلك أوماً بتعليله بقوله :﴿إنه لا يحب المعتدين﴾ أي المجاوزين لما أمروا به في الدعاء وغيره، قالوا فالمعنى أن من ترك هذا لا يحبه الله، أي لا يثيبه ألبتة ولا يحسن إليه، فالآية من الاحتباك آخرها يدل على حذف ضده من صدرها، وصدرها يدل على أنه حذف قبل الآخر : ولا تتركوا الإخلاص تكونوا معتدين. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٤٣ ـ ٤٤﴾

فصل


قال الفخر :


الصفحة التالية
Icon