قوله تعالى ﴿ قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٦٠) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما تم ذلك، وكان الحال مقتضياً - مع ما نصب من الأدلة الواضحة على الوحدانية - لأن يجيبوا بالتصديق، كان كأنه قيل : فبماذا كان جوابهم؟ فقال ﴿قال الملأ﴾ أي الأشراف الذين يملأ العيون مرآهم عظمة، وتتوجه العيون في المحافل إليهم، ولم يصفهم في هذه السورة بالكفر لأن ذلك أدخل في التسلية، لأنها أول سورة قص فيها مثل هذا في ترييب الكتاب، ولأن من آمن به مطلقاً كانوا في جنب من لم يؤمن في غاية القلة، فكيف عند تقييدهم بالشرف! وأكد ذمهم تسلية لهذا النبي الكريم بالتعريف بقربهم منه في النسب بقوله :﴿من قومه﴾ وقابلوا رقته وأدبه بغلطة مؤكداً ما تضمنته من البهتان لأن حالهم مكذب لهم فقالوا :﴿إنا لنراك﴾ أي كل واحد منا يعتقد اعتقاداً هو في الثقة به كالرؤية أنك ﴿في ضلال﴾ أي خطأ وذهاب عن الصواب، هو ظرف لك محيط بك ﴿مبين﴾ أي ظاهر في نفسه حتى كأنه يظهر ذلك لغيره. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٤٨﴾
فصل
قال الفخر :
ثم إنه تعالى حكى ما ذكره في قومه، فقال :﴿قَالَ الملأ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضلال مُّبِينٍ﴾ وقال المفسرون :﴿الملأ﴾ الكبراء والسادات الذين جعلوا أنفسهم أضداد الأنبياء، والدليل عليه أن قوله ﴿مِن قَوْمِهِ﴾ يقتضي أن ذلك الملأ بعض قومه، وذلك البعض لا بد وأن يكونوا موصوفين بصفة لأجلها استحقوا هذا الوصف، وذلك بأن يكونوا هم الذين يملؤن صدور المجالس، وتمتلىء القلوب من هيبتهم، وتمتلىء الأبصار من رؤيتهم، وتتوجه العيون في المحافل إليهم، وهذه الصفات لا تحصل إلا في الرؤساء، وذلك يدل على أن المراد من الملأ الرؤساء والأكابر.
وقوله :﴿إِنَّا لَنَرَاكَ﴾ هذه الرؤية لا بد وأن تكون بمعنى الاعتقاد والظن دون المشاهدة والرؤية.
وقوله :﴿فِى ضلال مُّبِينٍ﴾ أي في خطأ ظاهر وضلال بين، ولا بد وأن يكون مرادهم نسبة نوح إلى الضلال في المسائل الأربع التي بينا أن نوحاً عليه السلام ذكرها، وهي التكليف والتوحيد والنبوة والمعاد. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٤ صـ ١٢٢﴾