قوله تعالى ﴿ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٦١) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما قذفوه بضلال مقيد بالوضوح، نفى الضلال المطلق الذي هو الأعم، وبنفيه ينتفي كل أخصيّاته بل نفي أقل شيء من الضلال، فقال تعالى مخبراً عنه ﴿قال يا قوم﴾ مجدداً لا ستعطافهم ﴿ليس بي ضلالة﴾ فنفى وحدة غير معينة، ولا يصدق ذلك إلا بنفي لكل فرد، فهو أنص من نفي المصدر، ولم يصف الملأ من قومه هنا بالذين كفروا ووصفهم بذلك في سورة هود، إما لأنها صفة ذم لم يقصد بها التقييد فلا يختل المعنى بإثباتها ولا نفيها، أو لأنهم أجابوه بذلك مرتين : إحداهما قبل أن يسلم أحد من أشرافهم، والثانية بعد أن أسلم بعضهم.
ولما نفى ما رموه به على هذا الوجه البليغ، أثبت له ضده بأشرف ما يكون من صفات الخلق، فقال مستدركاً - بعد نفي الضلال - إثبات ملزوم ضده :﴿ولكني رسول﴾ أي إليكم بما أمرتكم به فأنا على أقوم طريق ﴿من رب العالمين﴾ أي المحسن إليهم بإرسال الرسل لهدايتهم بإنقاذهم من الضلال، فرد الأمر عليهم بألطف إشارة. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٤٨ ـ ٤٩﴾

فصل


قال الفخر :
ولما ذكروا هذا الكلام. أجاب نوح عليه السلام بقوله :﴿يا قوم لَيْسَ بِى ضلالة ﴾.
فإن قالوا : إن القوم قالوا :﴿إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضلال مُّبِينٍ ﴾.
فجوابه أن يقال : ليس بي ضلال، فلم ترك هذا الكلام، وقال : ليس بي ضلالة ؟
قلت : لأن قوله :﴿لَيْسَ بِى ضلالة﴾ أي ليس بي نوع من أنواع الضلالة ألبتة، فكان هذا أبلغ في عموم السلب، ثم إنه عليه السلام لما نفى عن نفسه العيب الذي وصفوه به، ووصف نفسه بأشرف الصفات وأجلها، وهو كونه رسولاً إلى الخلق من رب العالمين.
ذكر ما هو المقصود من الرسالة، وهو أمران : الأول : تبليغ الرسالة.
والثاني : تقرير النصيحة.
فقال :﴿أُبَلِغُكُمْ رسالات رَبّى وَأَنصَحُ لَكُمْ﴾. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٤ صـ ١٢٢ ـ ١٢٣﴾


الصفحة التالية
Icon