قوله تعالى ﴿ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٦٢) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ثم استأنف الإخبار عن وظيفته بياناً لرسالته فقال :﴿أبلغكم﴾ وكأن أبواب كفرهم كانت كثيرة فجمع باعتبارها أو باعتبار تعدد معجزاته أو تعدد نوبات الوحي في الأزمان المتطاولة والمعاني المختلفة، أو أنه جمع له ما أرسل به من قبله كإدريس جده وهو ثلاثون صحيفة وشيث وهو خمسون صحيفة عليهما السلام فقال :﴿رسالات ربي﴾ أي المحسن إليّ من الأوامر والنواهي وجميع أنواع التكاليف من أحوال الآخرة وغيرها، لا أزيد فيها أنقص منها كما هو شأن كل رسول مطيع.
ولما كان الضلال من صفات الفعل، واكتفى بالجملة الفعلية الدالة على حدوث في قوله :﴿وأنصح﴾ وقصر الفعل ودل على تخصيص النصح بهم ومحضه لهم فقال :﴿لكم﴾ والنصيحة : الإرشاد إلى المصلحة مح خلوص النية من شوائب المكروه، ولما كان الضلال من الجهل قال :﴿وأعلم من الله﴾ أي من صفات الذي له صفات الكمال وسائر شؤونه ﴿ما لا تعلمون﴾ أي من عظيم أخذه لمن يعصيه وغير ذلك مما ليس لكم قابلية لعلمه بغير سفارتي فخذوه عني تصيروا علماء، ولا تتركوه بنسبتي إلى الضلال تزدادوا ضلالاً. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٤٩﴾

فصل


قال الفخر :
قوله تعالى ﴿أُبَلِغُكُمْ رسالات رَبّى وَأَنصَحُ لَكُمْ﴾
فيه مسائل :
المسألة الأولى :
قرأ أبو عمرو ﴿أُبَلّغُكُمْ﴾ بالتخفيف، من أبلغ، والباقون بالتشديد.
قال الواحدي : وكلا الوجهين جاء في التنزيل، فالتخفيف قوله :﴿فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ﴾ [ هود : ٥٧ ] والتشديد ﴿فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾ [ المائدة : ٦٧ ].
المسألة الثانية :
الفرق بين تبليغ الرسالة وبين النصيحة هو أن تبليغ الرسالة معناه : أن يعرفهم أنواع تكاليف الله وأقسام أوامره ونواهيه، وأما النصيحة : فهو أنه يرغبه في الطاعة، ويحذره عن المعصية، ويسعى في تقرير ذلك الترغيب والترهيب لأبلغ وجوه، وقوله :﴿رسالات رَبّى﴾ يدل على أنه تعالى حمله أنواعاً كثيرة من الرسالة.
وهي أقسام التكاليف من الأوامر والنواهي، وشرح مقادير الثواب والعقاب في الآخرة، ومقادير الحدود والزواجر في الدنيا، وقوله :﴿وَأَنصَحُ لَكُمْ﴾ قال الفراء : لا تكاد العرب تقول : نصحتك، إنما تقول : نصحت لك، ويجوز أيضاً نصحتك.
قال النابغة :
نصحت بني عوف فلم يتقبلوا.. رسولي ولم تنجح لديهم رسائلي


الصفحة التالية
Icon