قوله تعالى ﴿ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٦٧) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما قابلوا لينته لهم وشفقته عليهم بهذه الغلطة، أعرض عن ذلك وعاملهم من الحلم بضد ما سموه به بأن ﴿قال﴾ معلماً الأدب في مخاطبة السفهاء ﴿يا قوم﴾ مذكراً بما بينهم من النسب الداعي إلى الود والمناصحة والعطف والملاطفة ﴿ليس بي سفاهة﴾ فنفى أن يكون به شيء من خفة حلم، فانتقى أن يكون كاذباً لأن الداعي إلى الكذب الخفة والطيش فلم يحتج إلى تخصيصه بنفي.
ولما نفى السفاهة، أثبت ما يلزم منه ضدها بقوله :﴿ولكني رسول﴾ وبين المرسل تعظيماً للأمر بقوله ﴿من رب العالمين﴾ أي المحسن إليهم بعد نعمة الإيجاد والأرزاق بإرسال الرسل إليهم ليكسبوهم معالي الأخلاق التي بها انتظام نعمة الإبقاء. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٥٢﴾
فصل
قال الفخر :
واعلم أن القوم لما قالوا له :﴿إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ﴾ فهو لم يقابل سفاهتهم بالسفاهة بل قابلها بالحلم والإغضاء ولم يزد على قوله :﴿لَيْسَ بِى سَفَاهَةٌ﴾ وذلك يدل على أن ترك الانتقام أولى كما قال :﴿وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِراماً﴾ [ الفرقان : ٧٢ ].
أما قوله :﴿وَلَكِنّي رَسُولٌ مِن رَّبّ العالمين﴾ فهو مدح للنفس بأعظم صفات المدح.
وإنما فعل ذلك لأنه كان يجب عليه إعلام القوم بذلك، وذلك يدل على أن مدح الإنسان نفسه إذا كان في موضع الضرورة جائز. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٤ صـ ١٢٧﴾