قوله تعالى ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٩٦) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما بين تعالى ما كان قولهم مسبباً له من الأخذ بغتة، بين ما كان يكون ضد قولهم مسبباً له من البركات لو وقع بقوله :﴿ولو أن أهل القرى﴾ أي هذه التي قصصنا أخبارها ﴿آمنوا﴾ أي بما أتاهم به رسلهم ﴿واتقوا﴾ أي خافوا أمر الله وجعلوا بينهم وبين سخطه وقاية من طاعاته فاستمروا على إيمانهم ﴿لفتحنا عليهم بركات﴾ أي خيرات ثابته لا يقدر أحد على إزالتها ﴿من السماء﴾ أي بالمطر الذي يكون كأفواه القرب وما شابهه ﴿والأرض﴾ بالنبت الغليظ وما قاربه، وقراءة ابن عامر بالتشديد يدل على كثرة تلك البركات، وأصل البركة الموظبة على الخير.
ولما كان الكلام بما أفهمته ﴿لو﴾ في قوة أنهم يؤمنوا عبر بقوله :﴿ولكن كذبوا﴾ أي كان التكذيب ديدنهم وشأنهم، فلذلك لم يصدقوا رسلنا في شيء، ولما كان التكذيب موضع الجلافة والجمود الذي هو سبب لعدم النظر في الدليل، سبب عنه العذاب فقال :﴿فأخذناهم﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿بما﴾ أي بسبب ما ﴿كانوا يكسبون﴾ أي بجبلاتهم الخبيثة من الأعمال المناسبة لها. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٧٤﴾
فصل
قال الفخر :
اعلم أنه تعالى لما بين في الآية الأولى أن الذين عصوا وتمردوا أخذهم الله بغتة، بين في هذه الآية أنهم لو أطاعوا لفتح الله عليهم أبواب الخيرات فقال :﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القرى ءامَنُواْ﴾ أي آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ﴿واتقوا﴾ ما نهى الله عنه وحرمه ﴿لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بركات مّنَ السماء والأرض﴾ بركات السماء بالمطر، وبركات الأرض بالنبات والثمار، وكثرة المواشي والأنعام، وحصول الأمن والسلامة، وذلك لأن السماء تجري مجرى الأب، والأرض تجري مجرى الأم، ومنها يحصل جميع المنافع والخيرات بخلق الله تعالى وتدبيره.
وقوله :﴿ولكن كَذَّبُواْ﴾ يعني الرسل ﴿فأخذناهم﴾ بالجدوبة والقحط ﴿بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾ من الكفر والمعصية. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٤ صـ ١٥١﴾