قوله تعالى ﴿ وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (١٠٢) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان نقض العهد أفظع شيء ولا سيما عند العرب، قال عاطفاً على " فما كانوا " :﴿وما وجدنا﴾ أي في عالم الشهادة ﴿لأكثرهم﴾ أي الناس، وأكد الاستغراق فقال :﴿من عهد﴾ طبق ما كان عندنا في عالم الغيب، وهذا إما إشارة إلى الميثاق يوم ﴿ألست بربكم﴾ إن كان ذلك على حقيقته، أو إلى ما يفعلون حال الشدائد من الإقلاع عن المعاصي والمعاهدة على الشكر ﴿لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين﴾ [ يونس : ٢٢ ] أو إلى إقامة الحجج بإفاضة العقول ونصب الأدلة، فصار بنصبها وإيضاحها للعقول كأنه أخذ العهد على من عقل أنه يبذل الجهد في التأمل ولا يتجاوز ما أبداه له صحيح النظر ﴿وإن﴾ أي وإنا ﴿وجدنا﴾ أي علمنا في عالم الشهادة ﴿أكثرهم لفاسقين﴾ أي خارجين عن دائرة العهد مارقين مما أوقفهم عند الحد عريقين في ذلك طبق ما كنا نعلمه منهم في عالم الغيب، وما أبرزناه في عالم الشهادة إلا لنقيم عليهم به الحجة على ما يتعارفونه بينهم في مجاري عاداتهم ومدارك عقولهم. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٧٧﴾

فصل


قال الفخر :
﴿ وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ﴾
فيه أقوال : الأول : قال ابن عباس : يريد الوفاء بالعهد الذي عاهدهم الله وهم في صلب آدم، حيث قال :﴿أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ قَالُواْ بلى﴾ [ الأعراف : ١٧٢ ] فلما أخذ الله منهم هذا العهد وأقروا به، ثم خالفوا ذلك، صار كأنه ما كان لهم عهد، فلهذا قال :﴿وَمَا وَجَدْنَا لاِكْثَرِهِم مّنْ عَهْدٍ﴾ والثاني : قال ابن مسعود : العهد هنا الإيمان، والدليل عليه قوله تعالى :﴿إِلاَّ مَنِ اتخذ عِندَ الرحمن عَهْداً﴾ [ مريم : ٨٧ ] يعني آمن وقال لا إله إلا الله والثالث : أن العهد عبارة عن وضع الأدلة الدالة على صحة التوحيد والنبوة، وعلى هذا التقدير فالمراد ما وجدنا لأكثرهم من الوفاء بالعهد.
ثم قال :﴿وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لفاسقين﴾ أي وإن الشأن والحديث وجدنا أكثرهم فاسقين خارجين عن الطاعة، صارفين عن الدين. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٤ صـ ١٥٣ ـ ١٥٤﴾


الصفحة التالية
Icon