قوله تعالى ﴿ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (١٤٥) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما انقضى ما أنسه سبحانه به لفت الكلام - في الإخبار لنا عن عظيم ما آتاه - لي مظهر العظمة، فقال مفصلاً لتلك الرسالة ومبيناً بعض ما كان من الكلام ﴿وكتبنا﴾ أي بعظمتنا ﴿له في الألواح﴾ عرفها لعظمتها تنبيهاً على أنها لجلالة ما اختصت به كأنها المختصة بهذا الاسم، وأعظم من هذا جعل قلب النبي الأمي لوحاً قابلاً لما يلقى إليه جامعاً لعلوم الأولين والآخرين ﴿من كل شيء﴾ أي يحتاجه بنو إسرائيل، وذلك هو العشر الآيات التي نسبتها إلى التوارة نسبة الفاتحة إلى القران، ففيها أصوال الدين وأصول الأحكام والتذكير بالنعم والأمر بالزهد والورع ولزوم محاسن الأعمال والبعد عن مساويها، ولذا قال مبدلاً :﴿موعظة وتفصيلاً﴾ أي على وجازتها بما كانت سبباً ﴿لكل شيء﴾ أي لأنها - مع كونها أمهات وجوامع - مفصلة ترجع إليها بحور العلم وتنشق منها ينابيعها.
ولما كان هذا هكذا، تسبب عنه حتماً قوله تعالى التفاتاً إلى خطاب موسى عليه السلام بخطاب التأنيس إشارة إلى أن التزام التكاليف صعب :﴿فخذها﴾ أي الألواح ﴿بقوة﴾ أي بجد وعزيمة في العلم والعمل ﴿وأمر قومك﴾ أي الأقوياء على محاولة ما يراد ﴿يأخذوا بأحسنها﴾ كأنه سبحانه أطلق لموسى عليه السلام الأخذ بكل ما فيها لما عنده من الملكة الحاجزة له عن شيء من المجاوزة، ولذلك قال له ﴿بقوة﴾ وقيدهم بالأحسن ليكون الحسن جداً مانعاً لهم من الوصول إلى القبيح، وذلك كالاقتصاص والعفو والانتصار والصبر.


الصفحة التالية
Icon