قوله تعالى ﴿ وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (١٦٣) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما فرغ من هتك أستارهم فيما عملوه أيام موسى عليه السلام وما يليها، أتبعه خزياً آخر أشد مما قبله، كان بعد ذلك بمدة لا يعلمه أحد إلا من جهتهم أو من الله، وإذا انتفى الأول ثبت الثاني، فقال :﴿وسئلهم﴾ أي بني إسرائيل مبكتاً لهم ومقرراً ﴿عن القرية﴾ أي البلد الجامع ﴿التي كانت حاضرة البحر﴾ أي على شاطئه وهي أيلة، ولعله عبر بالسؤال، ولم يقل : وإذ تعدو القرية التي - إلى آخره، ونحو ذلك، لأن كراهتهم للإطلاع على هذه الفضيحة أشد مما مضى، وهي دليل على الصرف والصدق.
ولما كان السؤال عن خبر أهل القرية قال مبدلاً بدل اشتمال من القرية ﴿إذ﴾ أي حين ﴿يعدون﴾ أي يجوزون الحد الذي أمرهم الله به ﴿في السبت إذ﴾ أي العدو حين ﴿تأتيهم﴾ وزاد في التبكيت بالإشارة إلى المسارعة في الكفر بالإضافة في قوله :﴿حيتانهم﴾ إيماء إلى أنها مخلوقة لهم، فلو صبروا نالوها وهم مطيعون، كما في حديث جابر ـ رضى الله عنهم ـ رفعه " بين العبد وبين رزقه حجاب، فإن صبر خرج إليه، وإلا هتك الحجاب ولم ينل إلا ما قدر له " ﴿يوم سبتهم﴾ أي الذي يعظمونه بترك الاشتغال فيه بشيء غير العبادة ﴿شرعاً﴾ أي قريبة مشرفة لهم ظاهرة على وجه الماء بكثرة، جمع شارعة وشارع أي دان ﴿ويوم لا يسبتون﴾ أي لا يكون سبت، ولعله عبربهذا إشارة إلى أنهم لو عظموا الأحد على أنه سبت جاءتهم فيه، وهو من : سبتت اليهود - إذا عظمت سبتها ﴿لا تأتيهم﴾ أي ابتلاء من الله لهم، ولو أنهم صبروا أزال الله هذه العادة فأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم.
ولما كان هذا بلاء عظيماً، قال مجيباً لسؤال من كأنه قال لشدة ما بهره من هذا الأمر : هل وقع مثل هذا؟ مشيراً إلى أنه وقع، ولم يكتف به، بل وقع لهم أمثاله لإظهار ما في عالم الغيب منهم إلى عالم الشهادة :﴿كذلك﴾ أي مثل هذا البلاء العظيم ﴿نبلوهم﴾ أي نجدد اختبارهم كل قليل ﴿بما﴾ أي سبب ما ﴿كانوا﴾ أي جبلة وطبعاً ﴿يفسقون﴾ أي يجددون في علمنا من الفسق، وهو الخروج مما هو أهل للتوطن من الطاعات. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ١٤٠﴾