قوله تعالى ﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١٨٨) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان علم الغيب ملزوماً لجلب الخير ودفع الضير، وكانت الساعة أدق علم الغيب، أمره بنفي هذا اللازم فينتفي الأعم فينتفي بانتفائه الأخص، وقدم النفع لأنه أهم إلى النفس، وليس في السياق ما يوجب تأخيره بخلاف ما في سورة يونس عليه السلام، فقال آمراً بإظهار ذل العبودية :﴿قل لا أملك﴾ أي في وقت من الأوقات أصلاً ﴿لنفسي نفعاً﴾ أي شيئاً من جلب النفع قليلاً ولا كثيراً ﴿ولا ضراً﴾ كذلك، فإن قدرتي قاصرة وعلمي قليل، وكل من كان عبداً كان كذلك.
ولما كان من المعلوم بل المشاهد أن كل حيوان يضر وينفع، أعلم أن ذلك إنما هو بالله فقال :﴿إلا ما شاء الله﴾ أي الذي له الأمر كله ولا أمر لأحد سواه أن يقدرني عليه.
ولما بين لهم بهذا أن سؤالهم عن الساعة وغيرها من المغيبات جهل منهم، لأن حاله واضح في أنه لا يعلم من ذلك إلا ما علمه الله الذي اختص بعلم الغيب، دل عليه بقوله :﴿ولو كنت﴾ أي من ذاتي ﴿أعلم الغيب﴾ أي جنسه ﴿لا ستكثرت﴾ أي أوجدت لنفسي كثيراً ﴿من الخير﴾ باستجلاب المنافع بنصب أسبابها.


الصفحة التالية