قوله تعالى ﴿ وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (١٩٨) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان دعاء الجماعة أقرب إلى السماع من دعاء الواحد، نسق على ما قبله قوله :﴿وإن تدعوهم﴾ أي يا من هم أضل منهم وأعجز ﴿إلى الهدى﴾ أي إلى الذي هو أشرف الخلال ليهتدوا في نصر أنفسهم أو غير ذلك ﴿لا يسمعوا﴾ أي شيئاً من ذلك الدعاء ولا غيره ؛ ولما كان حالهم في البصر بالنسبة إلى كل أحد على حد سواء، قال مفرداً للمخاطب :﴿وتراهم﴾ أي أيها الناظر إليهم ﴿ينظرون إليك﴾ أي كأنهم ينظرون لما صنعوا لهم من الأعين ﴿وهم لا يبصرون﴾ أي نوعاً من الإبصار، وما أشبه مضمون هذه الآيات بما في سفر أنبياء بني إسرائيل في نبوة أشعياً : هكذا يقول الرب ملك إسرائيل ومخلصه : أنا الأول وأنا الآخر، وليس إله غيري.
ومن مثلي يدعي ويظهر قوته ويخبر بما كان منذ بسطت الدنيا إلى الأبد، والآيات القديمة تظهر للشعوب، فلا يفزعون ولا يخافون، ألم أسمعكم منذ أول الدهر وأظهرها لكم وأبين لكم الأمور وأنتم شهدائي أن ليس إله غيري، وليس عزيز منيع إلا وأنا أعز منه، لأن جميع الصناع الذين يعملون الأصنام إنما عملهم باطل وليس في أعمالهم منفعة، وأن الصناع الذين يعملونها هم يشهدون عليها أنها لا تبصر ولا تسمع ولا تعلم، لذلك يخزي جميع صناع الأوثان المسبوكة لأن جميع ما صنعوا لا عقل له، فيجمعون كلهم ويخزون ويفتضحون لأن النجار نحت بحديده وهيأ صنماً بمنقاره وسدده بقوة ساعده وجاع وعطش في عمله.
والنجار اختار خشبة وقدرها وألصق بعضها ببعض بالغراء وركبها وعملها كشبه الإنسان، أقام من الخشب الذي قطع من الغيضة كشبه رجل الذي نبت من شرب المطر ليصير للناس للوقود فعملوه لهم إلهاً وعبدوه وسجدوا له، الذي ينصفه خبزوا لهم خبزاً وشووا لهم لحماً على جمرة وأكلوا وشربوا واصطلوا وقالوا : قد حمينا لأنا قد أوقدنا ناراً واصطلينا، والذي بقي منه اتخذوه إلهاً منحوتاً وسجدوا له وصلوا وقالوا : نجّنا لأنك إلهنا.


الصفحة التالية
Icon