قوله تعالى ﴿ إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (٢٠٦) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ثم علل الأمر بالمراقبة الدالة على أعظم الخضوع بأنها وظيفة المقربين فقال :﴿إن الذين﴾ وزاد ترغيباً في ذلك بقوله :﴿عند ربك﴾ أي المحسن إليك بتقريبك من جنابه وجعلك أكرم أحبابه، وهم الملائكة الكرام أولو العصمة، والقرب دنو مكانة لا مكان ﴿لا يستكبرون﴾ أي لا يوجدون ولا يطلبون الكبر ﴿عن عبادته﴾ أي الخضوع له والتلبس بانحاء التذلل مع مزيد قربهم وغاية طهارتهم وحبهم ﴿ويسبحونه﴾ أي ينزهونه عن كل مالا يليق مع خلوصهم عن دواعي الشهوات والحظوظ.
ولما كان هذا يرجع إلى المعارف، وقدمه دلالة على أنه الأصل في العبادة أعمال القلوب، أردفه بقوله :﴿وله﴾ أي وحده ﴿يسجدون﴾ أي يخضعون بإثباتهم له كل كمال، وبالمباشرة لمحاسن الأعمال، وقد تضمنت الآية الإخبار عن الملائكة الأبرار بثلاثة أخبار : عدم الاستكبار الذي هو أجل أنواع العبادة إذ هو الحامل على الطاعة كما أن ضده حامل على المعصية، والتسبيح الذي هو التنزيه عن كل مالا يليق، وتخصيصه بالسجود، ولما كانت العبادة ناشئة عن انتفاء الاستكبار، وكانت على قسمين : قلبية وجسمانية، أشار إلى القلبية بالتنزيه، وإلى الجسمانية بالسجود، وهو الحال الذي يكون العبد به عند ربه كالملائكة قرباً وزلفى " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد " نبه عليه أبو حيان على أن العبادتين مرجعهما القلب، وإحداهما مدلول عليها بالقول والأخرى بالفعل، وقد رجع آخر السورة في الأمر باتباع القرآن إلى أولها أحسن رجوع، ولوصف المقربين بعدم الاستكبار والمواظبة على وظائف الخضوع إلى وصف إبليس بعصيان أمر الله في السجود لآدم عليه السلام على طريق الاستكبار أيّ التفات، بل شرع في رد المقطع على المطلع حين أتم قصص الأنبياء، فقوله ﴿ولقد ذرأنا﴾ [ الأعراف : ١٧٩ ] هو قوله ﴿والذي خبث لا يخرج إلا نكداً﴾ [ الأعراف : ٥٨ ] يتضح لك ذلك إذا راجعت ما قدمته في المراد منها ﴿ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها﴾ [ الأعراف : ١٨٠ ] هو - ﴿ادعوا ربكم تضرعاً وخفية﴾ و ﴿ممن خلقنا أمة يهدون بالحق﴾ [ الأعراف : ١٨٠ ] - هو ﴿والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفساً إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة﴾ [ الأعراف : ٤٢ ] ﴿والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها﴾ [ الأعراف : ٣٦ ] ﴿وإن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم﴾ [ الأعراف : ١٨٥ ] هو ﴿إذا جاء أجلهم لا يستأخرون﴾ [ الأعراف : ٣٤ ] و ﴿يسئلونك عن الساعة﴾ [ النازعات : ٤٢ ] هو ﴿كما بدأكم تعودون﴾ [ الأعراف : ٢٩ ] و {لكم في الأرض


الصفحة التالية
Icon