قوله تعالى ﴿ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٦) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ثم ذكر دليل كراهتهم فقال :﴿يجادلونك﴾ أي يكررون ذلك إرادة أن يفتلوك عن اللقاء للجيش إلى الرجوع عنه.
ولما كان الجيش امراً قد حتمه الله فلا بد من وقوعه مع أنه يرضيه، قال :﴿في الحق﴾ أي الذي هو إيثار الجهاد ﴿بعد ما تبين﴾ أي وضح وضوحاً عظيماً سهلاً من غير كلفة نظر بقرائن الأحوال بفوات العير وتيسير أمر النفير وبإعلام الرسول ـ ﷺ ـ لهم تارة صريحاً وتارة تلويحاً كقوله " والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم، هذا مصرع فلان وذلك مصرع فلان ".
ولما كان سبحانه قد حكم باللقاء والنصرة تأييداً لوليه وإعلاء لكلمته مع شدة كراهتهم لذلك، شبه سوقه لهم إلى مراده.
فقال بانياً للمفعول لأن المكروه إليهم السوق لا كونه من معين :﴿كأنما يساقون﴾ أي يسوقهم سائق لا قدرة لهم على ممانعته ﴿إلى الموت وهم ينظرون﴾ لأنها كانت أول غزوة غزاها النبي ـ ﷺ ـ وكان فيها لقاء، وكانوا غير متأهبين للقتال غاية التأهب، إنما خرجوا للقاء العير، هذا مع أنهم عدد يسير، وعدد أهل النفير كثير، وكانوا في غاية الهيبة للقائهم والرعب من قتالهم، وكل هذا تذكير لهم بأنه لم ينصرهم إلا الله بلا صنع منهم، بل كانوا في يد قدرته كالآلة في يد أحدهم، لينتج ذلك أنه ليس لهم أن ينازعوا في الأنفال. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ١٨٦﴾