قوله تعالى ﴿ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (١١) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما ذكر البشرى والطمأنينة بالإمداد، ناسب أن يذكر لهم أنه أتبع القول الفعل فألقى في قلوبهم بعزته وحكمته الطمأنينة والأمن والسكينة بدليل النعاس الذي غشيهم في موضع هو أبعد الأشياء عنه وهو موطن الجلاد ومصاولة الأنداد والتيقظ لمخاتلة أهل العناد، وكذا المطر وأثره، فقال مبدلاً أيضاً من ﴿إذ يعدكم﴾ أو معلقاً بالنصر أو بما في الظرف من رائحة الفعل مصوراً لعزته وحكمته :﴿إذ يغشاكم﴾ بفتح حرف المضارعة في قراءة ابن كثير وأبي عمرو فالفاعل ﴿النعاس﴾ وضم الباقون الياء، وأسكن نافع الغين وفتحها الباقون وشددوا الشين المكسورة، فالفاعل في القراءة الأولى مفعول هنا، والفاعل ضمير يعود على الله، ولما ذكر هذه التغشية الغريبة الخارقة للعوائد، ذكر ما فعلت لأجله فقال :﴿أمنة﴾ ولما كان ذلك خارقاً للعادة، جاء الوصف بقوله :﴿منه﴾ أي بحكمته لأنه لا ينام في مثل تلك الحال إلا الآمن، ويمنع عنكم العدو وأنتم نائمون بعزته، ولم يختلف فاعل، الفعل المعلل في القراءات الثلاث لأن كون النعاس فاعلاً مجاز، ويصح عندي نصبها على الحال.