قوله تعالى ﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٧) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما تقدم إليهم في ذلك، علله بتقرير عزته وحكمته، وأن النصر ليس إلا من عنده، فمن صح إيمانه لم يتوقف عن امتثال أوامره، فقال مسبباً عن تحريمه الفرار وإن كان العدو كثيراً، تذكيراً بما صنع لهم في بدر، ليجريهم على مثل ذلك، ومنعاً لهم من الإعجاب بما كان على أيديهم في ذلك اليوم من الخوارق ﴿فلم تقتلوهم﴾ أي حلَّ على المدبر الغضب لأنه تبين لكل مؤمن أنه تعالى لا يأمر أحداً إلا بما هو قادر سبحانه على تطويقه له، فإنه قد وضح مما يجري على قوانين العوائد أنكم لم تقتلوا قتلى بدر وإن تعاطيتم أسباب قتلهم، لأنكم لم تدخلوا قلوب ذلك الجيش العظيم الرعب الذي كان سبب هزيمتهم التي كانت سبب قتل من قتلتم، لضعفكم عن مقاومتهم في العادة، وفيه مع ذلك زجر لهم عن أن يقول أحد منهم على وجه الافتخار : قتلت كذا وكذا رجلاً وفعلت كذا ﴿ولكن الله﴾ أي الذي له الأمر كله فلا يخرج شيء عن مراده ﴿قتلهم﴾ أي بأن هزمهم لكم لما رأوا الملائكة وامتلأت أعينهم من التراب الذي رماهم به ـ ﷺ ـ وقلوبهم جزعاً حتى تمكنتم من قتلهم خرق عادة كان وعدكم بها، فصدق مقاله وتمت أفعاله.


الصفحة التالية
Icon