قوله تعالى ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
والسر الذي بينه في هذه الآية في إمهالهم هو أنه ما منعه من الإسراع في إجابة دعائهم كما فعل في وقعة بدر إلا إجلال مقامه ـ ﷺ ـ بين أظهرهم فقال :﴿وما كان الله﴾ أي مع ما له من صفات الكمال والعظمة والجلال، وأكد النفي بقوله :﴿ليعذبهم﴾ أي ليجدد لهم ذلك في وقت من الأوقات ﴿وأنت﴾ أي يا أكرم الخلق ﴿فيهم﴾ فإنه لعين
تجازي ألف عين وتكرم...
ولما بين بركة وجوده، أتبعه ما يخلفه ـ ﷺ ـ إذا غاب في العباد من العذاب فقال :﴿وما كان الله﴾ أي الذي له الكمال كله ﴿معذبهم﴾ أي مثبتاً وصف تعذيبهم بحيث يدوم ﴿وهم يستغفرون﴾ أي يطلبون الغفران بالدعاء أو يوجدون هذا اللفظ فيقولون : أستغفر الله، فإن لفظه وإن كان خبراً فهو دعاء وطلب، فوجوده ـ ﷺ ـ في قوم أبلغ من نفي العذاب عنهم، وهذا الكلام ندب لهم إلى الاستغفار وتعليم لما يدفع العذاب عنهم كما تقول : ما كنت لأضربك وأنت تطيعني، أي فأطعني - نبه عليه الإمام أبو جعفر النحاس، وفي ذلك حث عظيم لمن صار ـ ﷺ ـ بين أظهرهم من المسلمين صادقهم ومنافقهم على الرغبة في مواصلته والرهبة من مفارقته، وتعريف لهم بما لهم في حلول ذاته المشرقة في ساحتهم من جليل النعمة ترغيباً في المحبة لطول عمره والاستمساك بعزره في نهيه وأمره إذ المراد - والله أعلم - بالاستغفار طلب المغفرة بشرطه من الإيمان والطاعة، وعن أبي موسى الأشعري ـ رضى الله عنهم ـ أنه كان في هذه الأمة أمانان، أما النبي ـ ﷺ ـ فقد مضى، وأما الاستغفار فهو كائن فيكم إلى يوم القيامة. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٢١٢﴾