قوله تعالى ﴿ الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٦٦) ﴾
" فصل "
قال البقاعى :
وتصديره هذه الجملة ب ﴿الآن﴾ يشير إلى أن النسخ كان قبل أن تمضي مدة يمكن فيها غزو، وفائدة الأمر المعقب بالنسخ حيازة الأجر بقبوله والعزم على امتثاله، وقيل : ما كان النسخ إلا بعد مدة بعد أن سألوا في التخفيف ؛ وروى البخاري في التفسير عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال : لما نزلت ﴿إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين﴾ شق ذلك على المسلمين حين فرض عليهم ألا يفر واحد من عشرة، فجاء التخفيف فقال :﴿الآن خفف الله عنكم﴾ - الآية ؛ فلما خفف الله عنهم من العدة نقص من الصبر بقدر ما خفف عنهم.
والمعنى أنه كان كتب مقدراً من الصبر لكل مؤمن، فلما خفف أزال ذلك بالنسبة إلى المجموع، وهذا لا يمنع استمرار البعض على ما كان كما فعل سبحانه بالصحابة رضوان الله عليهم في غير موضع منها غزوة مؤته، فقد كانوا فيها ثلاثة آلاف، وكان من لقوا من جموع هرقل مائتي ألف : مائة من الروم ومائة من العرب المستنصرة، فصبروا لهم ونصروا عليهم كما في الصحيح أن النبي ـ ﷺ ـ قال مخبراً عنهم في هذه الغزوة " ثم أخذ الراية عن غير إمرة سيف من سيوف الله خالد بن الوليد ففتح الله عليه " ولما توفي النبي ـ ﷺ ـ ارتد عامة الناس حتى لم يثبت على الإسلام عشر العشر فصبر الصحابة رضوان الله عليهم لهم ونصروا عليهم، بل الذي صبر في الحقيقة أبو بكر ـ رضى الله عنهم ـ وحده، ثم أفاض الله من صبره ونوره على جميع الصحابة ـ رضى الله عنهم ـ م فصبروا، ثم جهز الجيش وأميرهم الذي سماه النبي ـ ﷺ ـ سيف الله، فأخمد الله به نار الشرك وقطع بصبره وحسن نيته جاذرة الكفر فلم تمض سنة وفي بلاد العرب مشرك.


الصفحة التالية
Icon