قوله تعالى ﴿ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٤) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما أعلمهم بالبراءة وبالوقت الذي يؤذن بها فيه، وكان معنى البراءة منهم أنه لا عهد لهم، استثنى بعض المعاهدين فقال :﴿إلا الذين عاهدتم﴾ أي أوقعتم بينكم وبينهم عهداً ﴿من المشركين ثم﴾ أي بعد طول المدة اتصفوا بأنهم ﴿لم ينقصوكم شيئاً﴾ أي من الأمارات الدالة على الوفاء في أنفسهم كما نقض بنو الديل من بني بكر في قتالهم لخزاعة حلفاء النبي ـ ﷺ ـ ﴿ولم يظاهروا﴾ أي يعاونوا معاونة تظهر ﴿عليكم أحداً﴾ أي من أعدائكم كما ظاهرت قريش حلفاءهم من بني الدليل على حلفائكم من خزاعة ﴿فأتموا﴾ واشار إلى بعدهم عن الخير بحرف الغاية فقال :﴿إليهم عهدهم إلى مدتهم﴾ أي وإن طالت ؛ قال البغوي : وهم بنو ضمرة حي من كنانة، وكان قد بقي من عهدهم تسعة أشهر، وكان السبب فيه أنهم لم ينقضوا ؛ وقال النحاس : ويقال : إن هذا مخصوص يراد به بنو ضمرة خاصة ؛ وقال أبو محمد البستي : حدثنا قتيبة قال : ثنا الحجاج عن ابن جريج عن مجاهد قال : كان بين بني مدلج وخزاعة عهد، وهم الذين قال الله ﴿فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم ﴾.
ولما كانت محافظتهم على عهدهم من أفراد التقوى، وكان الأمر بالإحسان إلى شخص من أفعال المحب، قال تعالى معللاً :﴿إن الله﴾ أي الذي له صفات الكمال ﴿يحب المتقين﴾ أي يفعل بهم وبكم افعال المحب، فهو قول حاث للكل على التقوى، وكل ينزله على ما يفهم، فهو من الإعجاز الباهر. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٢٧٠ ـ ٢٧١﴾