قوله تعالى ﴿ اشْتَرَوْا بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٩) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما دام ما ترى من كشف سرائرهم، شرع سبحانه يقيم لهم الدليل على فسقهم وخيانتهم بتذكيرهم ما بدا من بعضهم من النقض بعد أن أثبت فيما مضى أنهم شرع واحد بعضهم أولياء بعض، وفيما يأتي أنهم بعضهم من بعض، فقال معبراً بما يفيد أنهم تمكنوا من ضد الإيمان تمكناً صار به كأنه في حوزتهم :﴿اشتروا﴾ أي لجوا في أهويتهم بعد قيام الدليل الذي لا يشكون فيه فأخذوا ﴿بآيات الله﴾ أي الذي لا شيء مثله في جلال ولا جمال على ما لها من العظم في أنفسها وبإضافتها إليه ﴿ثمناً قليلاً﴾ من أعراض الدنيا فرضوا بها مع مصاحبة الكفر، وذلك أن أبا سفيان أطعمهم أكلة فنقضوا بها عهودهم ﴿فصدوا﴾ أي فسبب لهم ذلك وأداهم إلى أن صدوا ﴿عن سبيله﴾ أي من يريد السير عليه ومنعوا من الدخول في الدين أنفسهم ومن قدروا على منعه.
ولما دل على ما أخبر به من فساد قلوبهم، استأنف بيان ما استحقوه من عظيم الذم بقوله معجباً منهم :﴿إنهم ساء ما﴾ وبين عراقتهم في القبائح وأنها في جبلتهم بذكر الكون فقال :﴿كانوا يعملون﴾ أي يجددون عمله في كل وقت، وكأنه سبحانه يشير بهذا إلى ما فعلت عضل والقارة بعاصم بن ثابت وخبيب بن عدي، ذكر ابن إسحاق في السيرة عن عاصم بن عمر ـ رضى الله عنهم ـ - والبخاري في الصحيح عن أبي هريرة ـ رضى الله عنهم ـ -، كل يزيد على صاحبه وقد جمعت بين حديثيهما أنه قدم على رسول الله ـ ﷺ ـ بعد أحد رهط من عضل والقارة فقالوا : يا رسول الله إن فينا إسلاماً فابعث معنا نفراً من أصحابك يفقهوننا في الدين ويقرؤوننا القرآن ويعلموننا شرائع الإسلام فبعث معهم نفراً ستة - وقال البخاري : عشرة - وأمر عليهم عاصم بن ثابت فخرج معهم، حتى إذا كانوا بالرجيع ماء لهذيل غدروا بهم فاستصرخوا عليهم هذيلاً، فلما أتوهم أخذوا أسيافهم ليقاتلوهم، فقالوا : إنا والله لا نريد قتلكم، ولكنا نريد أن نصيب بكم شيئاً من أهل مكة، ولكن عهد الله وميثاقه أن لا نقتل منكم أحداً، فأما عاصم فلم يقبل وقاتل حتى قتل هو ناس من أصحابه، ونزل منهم ثلاثة نفر على العهد والميثاق، فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فربطوهم بها، فقال رجل منهم : هذا أول الغدر، والله لا أصحبكم، إن لي بهؤلاء أسوة - يريد القتلى، فجرروه وعالجوه فأبى أن يصحبهم فقتلوه ؛ فانطلقوا بخبيب وزيد بن الدثنة حتى باعوهما بمكة فقتلوهما.