قوله تعالى ﴿ كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (٦٩) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان حالهم في الإقبال على العاجلة لكونها حاصلة والإعراض عن العاقبة لأنها غائبة متشابهاً لحال من كان قبلهم من الأمم الخالية والقرون الماضية، بين لهم ذلك وختم ببيان سوء أحوالهم وقبح مآلهم بتلاشي أعمالهم فقال ملتفتاً إلى أسلوب الخطاب لأنه أوقع في باب العتاب وأقعد في استجلاب المصالح للمتاب :﴿كالذين﴾ أي حاصل ما مضى من أمركم أيها المنافقون أنكم مثل الذين ؛ ولما كان فاعل ما يذكر إنما هو بعض من مضى أثبت الجارّ فقال :﴿من قبلكم﴾ أي من الأمم الخالية، ثم شرع في شرح حالهم وذكر وجه الشبه فقال :﴿كانوا أشد منكم قوة﴾ لأن الزمان كان إذ ذاك أقرب إلى سن الشباب ﴿وأكثر أموالاً وأولاداً﴾ وهذا ناظر إلى قوله :" فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم ﴿فاستمتعوا﴾ أي طلبوا المتاع والانتفاع في الدنيا بغاية الرغبة معرضين عن العقبى ﴿بخلاقهم﴾ أي نصيبهم الذي قدره الله وخلقه لهم، وكان الأليق بهم أن يتبلغوا به في السفر الذي لا بد منه إلى الآخره ﴿فاستمتعتم بخلاقكم﴾ أي كالمقتفين لآثارهم والقاصدين لنارهم ﴿كما استمتع﴾ وفي الإتيان بقوله :﴿الذين﴾ ولما كانوا لم يستغرقوا الزمن الماضي، أثبت الجارّ فقال :﴿من قبلكم بخلاقهم﴾ ظاهراً غير مضمر تنبيه على ذمهم بقلة النظر لنفسهم المستلزم لقلة عقولهم حيث كانوا دونهم في القوة أبداناً وأموالاً وأولاداً لم يكفوا عن الاستمتاع والخوض خوفاً مما محق أولئك الأحزاب على قوتهم من العذاب من غير أن ينفعهم سبب من الأسباب ﴿وخضتم﴾ أي ذهبتم في أقوالكم وأفعالكم خبطاً على غير سنن قويم ﴿كالذي﴾ أي كخوضهم الذي ﴿خاضوا﴾ وهو ناظر إلى قولهم ﴿إنما كنا نخوض ونلعب﴾ قال أبو حيان : وهو مستعار من الخوض في الماء ولا يستعمل إلا في الباطل لأن التصرف في الحق إنما هو على ترتيب ونظام، وأمور الباطل إنما هي خوض، ومنه قوله ـ ﷺ ـ :" رب متخوض في مال الله له النار يوم القيامة ".