قوله تعالى ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١٥) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان الاستغفار للمشركين أمراً عظيماً، وكان فيه نوع ولاية لهم، أظهر سبحانه للمؤمنين ما منّ عليهم به من عدم المؤاخذة بالإقدام عليه تهويلاً لذلك وقطعاً لما بين أوج الإيمان وحضيض الكفران بكل اعتبار فقال تعالى :﴿وما كان الله﴾ أي الذي له صفات الكمال ؛ ولما كان الضلال سبب الهلاك، وكان من شرع شريعة ثم عاقب ملتزمها من غير بيان كمن دل على طريق غير موصل فهلك صاحبه فكان الدال بذلك مضلاً، قال :﴿ليضل قوماً﴾ أي يفعل بهم ما يفعل بالضالين من العقوبة لأجل ارتكابهم لما ينهي عنه بناسخ نسخه ﴿بعد إذ هداهم﴾ أي بشريعة نصبها لهم ﴿حتى يبين لهم﴾ أي بياناً شافياً لداء العي ﴿ما يتقون﴾ أي مما هو جدير بأن يحذروه ويتجنبوه خوفاً من غائلته بناسخ ينسخ حال الإباحة التي كانوا عليها.
ولما كان الذي يأمر بسلوك طريق ثم يترك فيها ما يحتاج إلى البيان إنما يؤتى عليه من الجهل أو النسيان.
نفي ذلك سبحانه عن نفسه فقال معللاً لعدم الإضلال :﴿إن الله﴾ أي المحيط بصفات الكمال ﴿بكل شيء عليم﴾ أي بالغ العلم فلا يتطرق إليه خفاء بوجه من الوجوه في حين من الأحيان فهو يبين لكم جميع ما تأتون وتذرون وما يتوقف عليه الهدى، وما تركه فهو إنما يتركه رحمة لكم ﴿لا يضل ربي ولا ينسى﴾ [ طه : ٥٢ ] فلا تبحثوا عنه. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٣٩٤ ـ ٣٩٥﴾