قوله تعالى ﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢٤) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان السياق لإثبات البعث وتخويفهم به وكانوا ينكرونه ويعتقدون بقاء الدنيا وأنها إنما هي أرحام تدفع وأرض تبلغ دائماً بلا انقضاء فهي دار يرضى بها فيطمئن إليها، وللتنفير من البغي والتعزز بغير الحق، وكانت الأمثال أجلى لمحال الأشكال، قال تعالى ممثلاً لمتاعها قاصراً أمرها على الفناء رداً عليهم في اعتقاد دوامها من غير بعث :﴿إنما﴾ فهو قصر قلب ﴿مثل الحياة الدنيا﴾ التي تتنافسون فيها في سرعة انقضائها وانقراض نعيمها بعد عظيم إقباله ﴿كماء أنزلناه﴾ أي بما لنا من العظمة وحقق أمره وبينه بقوله :﴿من السماء﴾ فشبهه بأمر النبات وأنه قليل يبلغ منتهاه فتصبح الأرض منه بلاقع بعد ذلك الاخضرار والينوع، وفي ذلك إشارة إلى البعث وإلى أنه تعالى قادر على ضربة قبل نهايته أو بعدها ببعض الآفات كما يوجد في بعض السنين، فيقفرون منه ويفتقرون إليه، وفي ذلك تحذيرعظيم ﴿فاختلط﴾ أي بسبب إنزالنا له ﴿به﴾ أي بسبب تليينه ولطافته ﴿نبات الأرض﴾ عموماً في بطنها ﴿مما يأكل الناس﴾ أي كافة ﴿والأنعام﴾ من الحبوب والثمار والبقول فظهر على وجهها ﴿حتى﴾ ولم يزل كذلك ينمو ويزيد في الحسن والجرم ؛ ولما كان الخصب هو الأصل، عبر عنه بأداة التحقيق فقال :﴿إذا﴾ ولما كانت بهجة النبات تابعة للخصب، فكان الماء كأنه يعطيها إياها فتأخذه، قال :﴿أخذت الأرض﴾ أي التي لها أهلية النبات ﴿زخرفها وازينت﴾ بأنواع ذلك النبات زينة منها الجلي ومنها الخفي - بما يفهمه الإدغام ﴿وظن أهلها﴾ أي ظناً مؤكداً جداً بما أفاده العدول عن " قدرتهم " إلى ﴿أنهم قادرون﴾ أي ثابته قدرتهم ﴿عليها﴾ باجتناء الثمرة من ذلك النبات وغاب عنهم لجهلهم علم العاقبة، فلما كان ذلك ﴿أتاها أمرنا﴾ أي الذي لا يرد من البرد أو الحر المفرطين ﴿ليلاً أو نهاراً فجعلناها﴾ أي زرعها وزينتها بعظمتها بسبب ذلك الأمر وتعقيبه بالإهلاك ﴿حصيداً﴾ وعبر بما فهمه فعيل من المبالغة والثبات بقوله :﴿كأن﴾ أي